تابع الحب بعد الموت

  • 0
  • ض
  • ض

بموت ياسين رفاعية، ينفرط عقد زمن جميل كنا عشناه معاً. كنا متجاورين في الزمن ومتجاورين في السكن ومتجاورين في تبادل أسرارنا وحفظها حتى أوان اللحظة المناسبة.
فما بيني وبين ياسين وبيني وبين أمل جراح، وما كان بين أولادنا، أمر روائي بحق.

ولست أدري ما ذكره ياسين رفاعية في روايته التي كان على أهبة توقيعها ولم يفعل بعد أن أجبره الموت على توقيع روايته. هذه الرواية اسمها «من خرم الابرة»، وكان قد نقل لي اسمها قبل أسبوع من موته. كان في المنزل، ولم يكن متأهباً للرحيل. كل ما في الأمر، كما قال، هو أنه سيدخل المستشفى ليجري عملية في عينه اليمنى بعد أن أجرى عملية في عينه اليسرى.
وكان ممتلئاً برغبة الحياة ودفق الكتابة. قال لي إنه ستصدر له عن «دار الساقي» ثلاث روايات من بينها «من خرم الأبرة»، وقال لي إنني مذكور في الرواية كشخص من أشخاصها بالاسم. وأنني مدعو من الآن لحضور توقيع الرواية.
لم أرغب في سؤاله عن ملامحي في الرواية، بل احتفظت بذلك إلى القراءة. وها أنا الآن أقرأ موت صديقي ولم أقرأ روايته بعد. ترى ماذا سيقول؟ ترى أي صفحة من حياة ورواية وشعر طويت هذا اليوم؟
ترى أيلتقي بأمل جراح من جديد؟ وكيف؟ ترى أيسلم لي على امرأة أخرى هو يعرفها وأنا أعرفها ولا أحد سوانا يعرفها وماتت.. أيراها هناك؟
لقد جلست الجميلة بيننا في رحلة إلى المغرب... وكان أن... ثم ماتت الجميلة. ياسين وحده يعرف ذلك. ولست أدري إذا كان ذكر ما كان في روايته.
ياسين رفاعية شاعر في أصل روايته. شغفه بالشعر قرنه بأمل جراح. وهذا الشغف هو الذي عقد بيني وبينه صداقة حياة. والحياة بمفاجآتها، التي عاشها ياسين كانت التربة التي نمت فيها رواياته. وقد كان الرجل محاطاً بأمرين ملتبسين: الحب والموت. لقد أحب الرجل حتى الثمالة. أمل ماتت وابنته (وكانت صديقة ابنتي اَسيا) ماتت. ولم يبق له سوى بسام.
أعطى ياسين لكل أصدقائه من ذاته. وهذه الكتابة عنه في يومه الأخير ستكون أول الإشارات إلى إبداعه الغزير الحي. إبداعه الذي لا ينطوي مع جسده في قبر لا أعلم أين سيكون. في دمشق التي غادرها أم في بيروت التي حضنت أيامه.
تابع يا ياسين الحب بعد الموت.

0 تعليق

التعليقات