دمشق ــ خليل صويلح
بين الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وحرب الخليج الثانية، حقبة مفصلية عاشتها المنطقة العربية وجيل كامل شهد انهيار أحلامه الثورية. في هذه المرحلة تدور أحداث مسلسل الكاتب خالد خليفةوالمخرج هيثم حقي. العرض في رمضان

بعد تعاونهما في مسلسل «سيرة آل الجلالي» منذ سنوات، يلتقي المخرج هيثم حقي والسيناريست خالد خليفة في عمل جديد بعنوان «زمن الخوف» (إنتاج شركة «الرحبة» للإنتاج الفني). ترصد هذه الدراما حقبة مفصلية عاشتها المنطقة العربية، في الفترة الفاصلة بين الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وحرب الخليج الثانية عام 1991. بين هذين التاريخين، ستعبر مياه كثيرة تحت جسور الحياة العربية التي ستشهد تغييرات دراماتيكية في خريطة التحولات الاجتماعية والفكرية، لجيل وجد نفسه فجأة أمام فاتورة ضخمة من التحديات الجديدة، وخصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار الحلم الاشتراكي. طاول انكسار الأحلام أحزاباً وتيارات يسارية وقومية، سرعان ما فقدت مواقعها، الأمر الذي أفسح مجالاً حيوياً لصعود التيارات الدينية بأطيافها المختلفة في الشارع العربي. هكذا وجد حسين، المقاتل اليساري إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين في بيروت، نفسه، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، كائناً هشّاً وأعزل، فتحول إلى تاجر شنطة، قبل أن يستقر في روسيا، ويرتبط بأعمال مشبوهة مع المافيات الروسية. تحوّلات حسين ليست معزولة عما أصاب أبناء جيله، فهي تشكل نموذجاً لمصير أبناء هذا الجيل الذي تفتّح على صراع الإيديولوجيات والشعارات الكبرى. في المقابل، ستجد شقيقته زكية نفسها في موقع آخر، فتتحول إلى «زيزي»، وتقف في الحد الفاصل بين جيل السبعينيات بكل أحلامه وأوهامه الثورية، وجيل التسعينيات الضائع والهش والنفعي، فتبحث عن خلاصها الفردي، من دون أن تطالها أوهام المرحلة. أما شقيقتهما الصغرى زهرة، فستكون نموذجاً للفتاة المتديّنة كنتيجة طبيعية للمدّ الأصولي في المنطقة، فتدخل المناطق السرّية للتجمعات الدينية كملاذ لهواجسها ومخاوفها وانكساراتها الحياتية.
«عائلة فاضل» التي تنتمي إليها هذه الشخصيات الثلاث، ليست أكثر من مفصل في نسيج «زمن الخوف» حيث تتشابك الخيوط والألوان والصراعات. وسوف تكون بيروت الثمانينيات المكان الذي تتصارع فيه الأفكار والأحلام والخيبات: ها هو «جلال» الفتى الطائش يهاجر إلى بيروت، ويغرق في نسيجها، بعد أن يعمل في الصحافة، فيكتشف ذاته بعيداً من الشعارات، ويعيش شرخاً في وعيه وتطلّعاته. وفي دمشق، سنلتقي الشاعر الأبكم الذي مات باكراً، في استعادة واقعية لسيرة الشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين، أحد أبرز شعراء السبعينيات.
يقول خالد خليفة إنّ نصّه محاولة جدية وحاسمة لمقاربة أسباب الورم الذي أصاب الجسد العربي في حقبة خطيرة، أطاحت كل ما قبلها: «كان اجتياح بيروت كأول عاصمة عربية، مقدمة لسقوط بغداد. وتالياً، فإن ما يحصل اليوم هو نتيجة طبيعية لتلك المقدمات والأسباب والخراب الشامل».
وينفي أي تقاطع بين عمله هذا، ومسلسل «رسائل الحب والحبر» الذي كتبته ريم حنا وأخرجه باسل الخطيب، وإن كان العملان يرصدان المرحلة عينها. وتشارك في تجسيد شخصيات «زمن الخوف» الذي بدأ تصويره في دمشق قبل أيام، مجموعة كبيرة من النجوم السوريين، بينهم: سليم صبري، أمل عرفة، عبد الهادي الصباغ، نادين، وأمل عمران.
من ناحية ثانية، أنجز خالد خليفة والمخرج نذير عواد عملاً تلفزيونياً تحت عنوان «ظل امرأة»، وهو من إنتاج شركة «لين للإنتاج الفني». في هذا العمل، يقارب خالد خليفة مناطق درامية جديدة، تتركّز على الأسئلة الوجودية للحياة، وتختبر مفاهيم عامة مثل الصداقة والحب والوفاء والخيانة، خلال الاشتباك مع لحظات مصيرية تتعرض لها شخصيات العمل. ويطرح الكاتب سؤالاً جوهرياً هو: ماذا لو انقلبت حياتنا فجأة، رأساً على عقب؟
هكذا يتتبّع المسلسل حياة شاعر يعمل في الصحافة الثقافية، وزوجته التي تعمل في المتحف الوطني، يتعرّضان لحادثة سيارة، فيفقد الشاعر بصره. عند هذه النقطة، سيجد نفسه أسير عالم جديد عليه، هو عالم العميان. يتوغل المسلسل في اكتشاف حياة العميان وعالمهم الخاص، والتحوّلات التي أصابت حياة هذا الشاعر، والامتحان الصعب الذي يواجهه في المرحلة الجديدة، وغنى عالم لم يألفه قبلاً. هكذا يلتقي أعمى مزمناً يدعى ممدوح، وهو نموذج لأعمى يعيش حياته بشغف، بعيداً من مأساته الشخصية، حياة سيجدها الشاعر وائل، لا تخلو من عبث وكوميديا سوداء... ممدوح الذي يعمل في تجارة الصابون في سوق الحميدية، يحتال على تجار السوق ببيعهم مقويات جنسية، ويستغل عاهته لتهريب الأموال إلى بيروت، في تحدٍّ لمواجهة قدره. المسلسل كما يقول عنه خالد خليفة هو مقاربة لمصائرنا كبشر، ورصد مواطن القوة والضعف في النفس الإنسانية. يُعرض «ظلّ امرأة» في موسم رمضان المقبل، ويشارك في بطولته كل من خالد تاجا، عبد المنعم عمايري، وكاريس بشار.