«أبو رخوصة» العبارة التي نطقها رئيس «جمعية تجار بيروت» نقولا شمّاس كانت كفيلة باستنهاض الشارع لإعادة إحياء قلب العاصمة اللبنانية، فاختلطت الأجيال التي عايشت بيروت السيتينيات والسبعينيات مع أجيال اليوم التي شاهدت هذه الأمجاد بالصور فقط. أول من أمس، كان «البلد» على موعد مع أبنائه، مع سوق «ابو رخوصة» حيث افترش الناشطون أرض ساحة «رياض الصلح» بالبضائع والمأكولات الشعبية والرخيصة. في بضع ساعات، عاد النبض الى الوسط التجاري وتعالت أصوات الفرح وحلقات الدبكة.
مشهد رسمته الشاشات اللبنانية مع اختلاف في مساحات التغطية مع إعطاء كل من lbci و»الجديد» الحصة الأوفر للنقل المباشر من هذه الساحة. نقل تزامن مع صرخة من «اتحاد المقعدين اللبنانيين» على خلفية حرق المُقعد توفيق خوام نفسه تحت جسر منطقة «البسطة التحتا» بعدما وقف بلا مأوى يحميه من شيخوخته. هذه الصرخة التي عادت وانضمت الى سوق «أبو رخوصة» بما أن القضيتين متلازمتان، نقلتها الشاشات الأخرى. ولعلّ تغطية «المنار» اتسمت هذه المرة بالحيوية، وهي القناة التي تغلب السياسة على مقدمات نشرات أخبارها. ارتأت أن تستهل نشرتها الإخبارية أول من أمس، بنفس إنساني اجتماعي انطلاقاً من قضية خوام و»فقراء وسط بيروت» الذين «يشمون روائح الكراهية والطبقية ويتحسرون على أموال سلبت منهم ذات صباح جائر». هذه الكلمات المعبرة تبعها تقرير عن منطقة وسط بيروت بلسان من عايشوا الزمن الجميل، حين كانت حضناً للفقير قبل الغني. على هذا النفس أيضاً، ومنذ ليلة الخميس الماضي، تقف lbci كسد منيع أمام كل التصريحات الطبقية والعنصرية وتطلق صرخاتها حول قضية خوام وقصته المأساوية، وحول الناشط أجود عياش الذي سرعان ما انتشر الشريط الذي جمعه برجل من قوى الأمن في التظاهرة الأخيرة للحراك المدني يوم الثلاثاء الماضي. استطاع عياش بهذه المواجهة أن يوصل صرخته وصرخة كل مواطن بأن اللبنانيين ورجال الأمن هما معاً في معركتهما ضد السلطة التي «جوّعت» الجميع من دون استثناء. وفي كل قصص هؤلاء، يعود وسط البلد كما كان في هيئته الأخيرة جامعاً لكل هذه القضايا و»مساحة عامة تضجّ بالحياة» كما ورد في مقدمة نشرة المحطة ليلة السبت الماضي.
«الجديد» قدمت بدورها لقطات نادرة باللونين الأسود والأبيض تظهر حركة الأسواق الشعبية التي كانت قبل الحرب الأهلية. أما mtv فقد هاجمت الحراك المدني بعد تصريح شماس الخميس الماضي، موردةً في مقدمة نشرة أخبارها أنّ الصفة سقطت عن الحراك وسألت القيمين عليه «هل اكتشفتم أن التخطيط في المكاتب للثورة هو غيره في الشارع في بلد مرّكب ومفكك مثل لبنان؟». قناة «المرّ» التي تصطف طبعاً الى جانب أصحاب الرأسمال والمستثمرين في العاصمة، وصفت سوق «ابو رخوصة» في تقرير مسائي لها أول من أمس، بأنه «ليس صبرا ولا حيّ اللجا ولا بربور ولا البربير. إنّه ببساطة وسط بيروت». ومع تغطيتها المتقطعة من ساحة رياض الصلح، كانت المذيعة في المحطة جيسيكا عازار تقول بكل صراحة إنّ «الشماس لم يتكلم باسمه الشخصي بل باسم تجار بيروت الذين لهم أيضاً مصالحهم الاقتصادية» في الوسط.
وبينما تحاول عازار شحذ تعاطف مع أصحاب المصالح في الوسط التجاري وتمييع القضية، كانت «المستقبل» تغّيب كلياً اسم نقولا شمّاس بصفته المسؤول عن ردة الفعل في رياض الصلح، فبنت تقريرها الإخباري بالقول إن سوق «أبو رخوصة» جاء بادرة اعتراض على «بعض المواقف الصادرة»!