نيكولا هولو وكنوز لبنان البيئيّة

نيكولا هولو في بيروت. الناشط البيئي والإعلامي الفرنسي، الذائع الصيت، حلّ أول من أمس ضيفاً على «قصر الصنوبر في بيروت» بدعوة من المعهد الثقافي الفرنسي، محاضراً في التحديات البيئية في القرن الـ ٢١. انتظر الجمهور الفرنكوفوني، الذي ضاقت به القاعة الفخمة في قصر إعلان «دولة لبنان الكبير»، أن يستمع الى تجربة الرجل في الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام ٢٠٠٧، قبل أن يتراجع بعدما انتزع من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومنافسيه وعوداً صريحة بوضع إشكالية حماية البيئة في قائمة أولوياتهم. لكن الرجل الذي خسر السباق إلى الإليزية في انتخابات هذا العام أمام مرشحة حزب الخضر الأوروبي إيفا جولي، ذهب بعيداً في محاضرته عن السياسة الى الفلسفة البيئية التي تحاول اليوم إعادة تشكيل الأنماط الاستهلاكية للأشخاص، بما يتناسب وحماية البيئة وفي مواجهة ما يسميه علماء الاجتماع «المجتمع الاستهلاكي المُوجّه».
يؤمن منتج ومقدم برنامج «أوشويا» الشهير، الذي أسّس لاحقاً منظمة بيئية دولية تحمل اسمه، بـ«أن تأمل الطبيعة والتقرب منها هما أولى الخطوات نحو صحوة الضمائر».
«الكارثة البيئية هي مناسبة لحل الكارثة الاقتصادية في القرن الـ ٢١» يقول الرجل الذي جال الكرة الأرضية من القطب الشمالي إلى جزر الأنتيل. ويضيف «كنت أعتقد أن الحياة على هذا الكوكب هي القاعدة، إلا أنني اكتشفت أنها الاستثناء. ١٥٠ سنة من التقدم التكنولوجي أضاعت نظرتنا الى الطبيعة، اعتقدنا أننا نكبر ونقوى كلما ابتعدنا عن الطبيعة، لكن الوقت حان للعودة الى الطبيعة، وأن نغلّب الإنسانية على المادية».
لم ينس هولو دعوة وزير البيئة، ناظم الخوري، الذي حضر الندوة، إلى أن يكون أكثر تضامناً مع الجمعيات البيئية اللبنانية. استمع هولو الى تجارب عدد من هذه الجمعيات التي التقى بها في غابة خندق الرهبان في بعبدا. أمضى الرجل قرابة أربع ساعات في الغابة الصغيرة المهددة بمخطط الأوتوستراد العربي، المقرّر أن يشق طريقه بالقرب منها، ما يعني القضاء على البقعة الخضراء اليتيمة، والتي تشكل رئة مركز محافظة جبل لبنان، التي اجتاحتها غابات الباطون من كل حدب وصوب.
سؤال هولو الأول كان عن بقايا سكة الحديد التي تشكل الحدود الشمالية للغابة. «لبنان ما بعد الحرب الأهلية خالٍ من القطارات وسكك الحديد، واستراتيجية الحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات تقوم على بناء الأوتوسترادات التي مهما اتسعت لن تستوعب مئات آلاف السيارات»، يجيب بول أبي راشد، رئيس «جمعية الأرض ــ لبنان»، التي تشرف على إدارة غابة الرهبان التي تملكها الرهبنة الأنطونية. عزف أبي راشد للضيف الفرنسي على الغيتار الذي رافقه في حملات التوعية البيئية منذ التسعينيات، مقترحاً العمل المشترك للوقوف في وجه اجتياح الباطون، وحرائق الغابات التي تقضي على ما تبقى من البقع الخضراء في لبنان.
كذلك شرح الناشط فرنسيس هليّل تجربة «جمعية الأرض ــ لبنان» في فرز النفايات من المصدر، التي نجحت في استقطاب العديد من الوزارات والمدارس والشركات، واستطاعت أن تشكل بديلاً جدياً في وجه احتكار قطاع النفايات، من قبل شركات القطاع الخاص بطريقة مركزية مكلفة، والتي ترميها في المكبات العشوائية أو في المطامر الملوثة بجميع أنواع النفايات. ذهل هولو عندما أُبلغ بأن الحكومة اللبنانية أقرّت خطة جديدة للتخلص من النفايات عن طريق المحارق المولدة للطاقة. فالرجل الذي ناضل لسنوات من أجل تخلي الحكومة الفرنسية عن خيار الطاقة النووية الملوِّثة، لا يجد سبباً يمنع الحكومة اللبنانية من الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة.
شرح هولو عن المنظمة التي أنشأها في التسعينيات، والتي لا تكتفي فقط بحملات توعية للكبار، بل تتوجه أيضاً لمخاطبة عقول الأطفال، عن طريق إنشاء مؤسسة تربوية هي «مدرسة نيكولا هولو للطبيعة والإنسان». حول هذا المشروع يقول صاحبه: «إن التربية هي المفتاح الوحيد الذي يسمح بإعادة النظر في العلاقة المفقودة بين الإنسان والطبيعة. ولهذا يضيف نيكولا هولو «إذا كنا نجد صعوبات في تغيير عقليات بعض كبار السن، فإن من الأحسن تحضير الأطفال عن طريق زرع قيم جديدة».
في غابة خندق الرهبان، استمع هولو أيضاً الى تجربة هيئة حماية البيئة في بشري التي تعمل على استقطاب السياحة البيئية الى وادي قاديشا المهدد «بسياحة النرجيلة وسباق السيارات الرباعية الدفع» بحسب الناشطة ألين طوق.
ومن بشري الى محمية جبل موسى في كسروان، فرح هولو لسماعه أن الجمعية الناشطة لحماية هذا الجبل الممتد من وادي نهر الذهب الى وادي نهر ابراهيم، تعمل من أجل حماية التنوع البيولوجي والحفاظ على ما تبقى من الثدييات، وبينها السنجاب والذئب والضبع والطبسون. يضحك لدى سماعه كريستل أبي شبكة تشرح عن مواد التوعية للأطفال حول الطبسون في جبل موسى، ويقاطعها شارحاً كيف أن هذا الحيوان الصغير الذي يشبه الأرنب ينحدر من فصيلة الفيلة، وكيف صغر حجمه تباعاً ليتكيّف مع حجم الطعام الذي يستطيع الوصول إليه.
ومن جبل موسى الى شاطئ الروشة في بيروت، طلبت سهيلة إدريس ممثلة جمعية الأزرق الكبير مساعدة هولو في الحفاظ على فقمة البحر التي لا تزال موجودة في كهوف شاطئ الروشة، وكيف يعمل الصيادون اليوم على حمايتها لأنها تستقطب السيّاح.
وصيّة هولو الى نشطاء البيئة في لبنان أن يعملوا على استقطاب المزيد من الناس الى الطبيعة، «ولا وسيلة لذلك إلا من خلال إبهارهم وإشعارهم بالسعادة». برأيه أن غابة بعبدا هي نموذج فريد لإبهار الناس ولجعلهم يتمسكون بالطبيعة ويقتربون منها.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي