أفل «موسم الكورونا»، مع إعلان منظمة الصحة العالمية نهايته كحالة صحية طارئة، ومعه أُقفل «المزراب» الذي فتحته المنظمة لتسويق لقاحاتٍ دفع لبنان ولا يزال ثمناً باهظاً لقاءها، ولتغطية حاجات الجسم الطبي بعشوائية واستنسابية في المعايير، ما هضم حقوق كثيرين من الممرضين والممرضات ممن لم يحظوا بنعمة «الفريش» من المنظمة الدولية. فيما من حظي منهم بمعاشٍ بذلك، خسر هذا الامتياز أواخر الشهر الماضي مع آخر دفعة أعطيت لهم.وفيما كان وهج الكورونا قد خفت في لبنان قبل الإعلان بأشهرٍ عدّة، مع استقرار عدّاد الإصابات، سطع «نجم» الكوليرا مع ظهور إصابات بها، ما وجدت فيه المنظمة الدولية مشروعاً جديداً للصرف جاء «من حقّة الله»، فبنت على أساسه «خطّة للاستجابة الطارئة» من تسعة بنودٍ بكلفة بلغت عشرة ملايين و220 ألف دولار (بين تشرين الثاني 2022 وأيار 2023). وفي «عُرف» المنظمات، يفترض أن تصرف هذه الملايين على الخطة التي لا يعرف أحد كيف تقسّم «الأرزاق» فيها. لذلك، تفرّعت الأبواب التي صرفت على أساسها الأموال، فرصدت للقاحات ثلاثة ملايين و500 ألف دولار، ومليون و800 ألف دولار للخدمات اللوجستية والمعدات واللوازم، ومليون و768 ألف دولار لتدريب العاملين الصحيين وإنشاء نظام الإحالة لحالات الإسهال الحاد، و560 ألفاً لحملات التوعية وغيرها.
17 من بين مئات العاملين في الوزارة اختيروا باستنسابية يتقاضى كل منهم بين 1000 و2500 دولار

ومن ضمن تلك النفقات، رصدت منظمة الصحة العالمية، ضمن متابعة برنامج الكوليرا، رواتب بالدولار الأميركي لعددٍ من العاملين ورؤساء مصالح وأطباء قضاء تابعين لوزارة الصحة، تراوحت بين 1000 و2500 دولار. 17 موظفاً اختيروا من بين مئات العاملين في وزارة الصحة، من دون أن يملك أحد في الوزارة جواباً واضحاً حول المعايير التي على أساسها تم اختيارهم من دون غيرهم أو كيف وزعت الدولارات. ولدى محاولة «الأخبار» الاستفسار من مسؤولة البرامج في منظمة الصحة العالمية في لبنان، الدكتورة أليسار راضي، عن المعايير التي اتبعت لاختيار العاملين ضمن برنامج الكوليرا، أجابت بعصبية مفرطة بأن المنظمة «لا علاقة لها لا باختيار العاملين ولا بإعطائهم رواتب»، طالبة العودة إلى «مكتب الوزير». غير أن العودة إلى الوزير فراس الأبيض تبدو من رابع المستحيلات، إذ إن انشغالات تمنعه من الرد على الاتصالات ورسائل الواتساب المتكررة. أما العودة إلى مكتب الوزير فلا تفي بالمطلوب، إذ إن المكتب يؤكد أن «صاحب العلاقة» الذي نسّق مع المنظمة غير معروف، غاسلاً يديه من الموضوع نهائياً وكأن الوزير غير معني بما يجري في الإدارة التي يرأسها. إذ إن «الوزارة لا علاقة لها بالموضوع... وكلّه عند منظمة الصحة العالمية، فهي التي تدير البرنامج»!
بين حانا ومانا، ضاع الجواب وبقيت الأسئلة معلّقة: من أين يحصل المحظيون على رواتب بالدولار الأميركي؟ ووفق أي معيار جرى اختيارهم؟ وكيف قدّرت قيمة تلك الرواتب؟ وهي أسئلة تؤرق موظفين كثراً لا تتعدى قيمة رواتبهم الـ 50 دولاراً يقومون بالمهام التي يقوم بها زملاؤهم المحظيون. وقد أحال هذا الأمر إلى تعزيز مفهوم «الطبقية» في الوزارة، حيث باتت الفوارق كبيرة بين الموظفين العاديين وموظفي برنامج الكوليرا والبرامج التي لا تزال تحظى بدعم المنظمة. وما يعزّز الشكوك في آليات عمل منظمة الصحة في الوزارة أنها «لم تتجاوب سابقاً مع اقتراح إعطاء 100 دولار للموظفين لتعزيز إنتاجيتهم وتسيير عمل الوزارة بدلاً من تخصيص تلك المبالغ للكبيرة لعدد قليل من الموظفين»، علماً أن «المبلغ المطلوب لكل الموظفين يوازي المبلغ الذي يتقاضاه الـ17»!