خلف المبنى الرئيسي لمستشفى رفيق الحريري الحكومي، مبنى رفعت عليه لافتة منظمة «أطباء بلا حدود»، يقصده من لا يملك تأميناً صحياً من أيّ نوع، أي من لا يملك المال. في هذا المبنى، قسم مخصّص للتوليد الطبيعي تديره المنظمة منذ عام 2018. قسم هادئ، نظيف، بغرف مقسّمة بستائر زهرية زاهية، وفي غياب للأطباء أو الطبيبات، وحضور كبير لقابلات قانونيات.خلال زيارتنا للقسم، لم يكن فيه إلا امرأة واحدة، وضعت طفلتها قبل ساعة. توضح القابلة القانونية آلين رعيدي سبب شغور الغرف بالقول إن «المرأة التي تلد بشكل طبيعي لا تحتاج إلى المكوث في المستشفى أكثر من 6 ساعات، إلا في حالات قليلة تحتاج فيها إلى المزيد من الرقابة»، علماً أن القسم «يجري نحو 10 ولادات يومياً ونسبة قليلة منهن يضطررن إلى الولادة القيصرية». وقد سجّل هذا القسم ولادة 2951 طفلاً بشكل طبيعي عام 2022، معظمهم من الجنسية السورية.

إقبال لبناني خجول
تزور المرأة هذا القسم في مراحل حملها الأخيرة. قبل ذلك، تخضع لمتابعة دقيقة ومنتظمة في مركز تابع لـ«أطباء بلا حدود» كائن في برج البراجنة، حيث تتلقى الحامل كامل الرعاية الصحية معتمدة على أكثر الطرق طبيعية. «القابلات نفسهن هناك وفي المستشفى، وهو ما يشعر المرأة بالراحة». تؤكد رعيدي أن المتابعة الدقيقة للحامل طوال فترة الحمل، وتشخيص وضعها يجعلان ولادتها تجربة طيبة. في المركز، أثناء المخاض، تبقى المرأة تحت المراقبة، ثم تنقل إلى غرفة التوليد حينما تكون جاهزة. لا وجود لإبرة الظهر، «بدلاً من ذلك نعلّم النساء التمارين التي تساعد في تخفيف الآلام وكيفية التنفس بصورة صحيحة. كما نشجع اليوم على دخول الزوج إلى غرفة الولادة».
نسأل كلثوم (20 عاماً) عن تجربتها في الولادة الطبيعية، فتردّ على الأسئلة باقتضاب بسبب ألم ما بعد الولادة. تقول إنها الولادة الثالثة الطبيعية في المركز، منذ قدومها من سوريا إلى لبنان عام 2018. «مرتاحة جداً لمتابعة القابلة، والمعاملة طيبة ومجانية». وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أغلب النساء اللاتي يلدن في المركز من الجنسية السورية. «بدأنا نشهد زيارة للبنانيات لكن لا تزال النسبة قليلة، زاد الإقبال على المركز لأن النساء بتن يخبرن عن تجاربهن الإيجابية» تقول رعيدي.

من أزمة إلى فرصة
إلى التجارب الإيجابية، يدفع العامل الاقتصادي بالكثيرين إلى البحث عن مراكز الخدمات الصحية الأقلّ كلفة. وهذا ما تؤكده المنسّقة الطبية في «أطباء بلا حدود» الدكتورة كالين رحيّم بقولها «ارتفع التوجه نحو الولادة الطبيعية بفعل الضائقة المعيشية، ما حوّل الأزمة إلى فرصة للاستفادة من الطرق الطبية الطبيعية كالولادة الطبيعية التي هي عملية فيزيولوجية بحتة». يأتي ذلك بعد سنوات «سجّل فيها لبنان نسبة مرتفعة من العمليات القيصرية تجاوزت الـ 40% من دون أسباب موجبة لها، في حين أن النسبة الطبيعية لهذا النوع من الولادات يجب ألا تتعدّى 10 إلى 15% من الحالات وفق منظمة الصحة العالمية».
يعتمد المركز على القابلة القانونية لمتابعة الحمل والولادة والفترة الأولى بعد الولادة، وهو «الدور الذي جرى تغييبه مع الوقت بعدما باتت النساء يتوجّهن للمتابعة المتخصصة مع طبيب/ة نسائي حصراً، علماً أن القابلات القانونيات لديهن الكفاءة العلمية من خلال دراستهن وإذن المزاولة من وزارة الصحة وانتسابهن إلى نقابة القابلات القانونيات، وما يتمتعن به من تمرين وخبرة، فهن يعملن على تقييم الوضع الصحي للمرأة وتحديد إمكانية الولادة الطبيعية، كما لديهن من المؤهّلات العلميّة ما يمكّنهنّ من تقدير عوامل خطر وتحويل المرأة لمراجعة متخصصة، أو للمعاينة مع طبيب نسائي. أما النساء اللواتي لا يعانين من أمراض مزمنة وليس لديهنّ خطر مضاعفات وإمكانية ولادتهنّ الطبيعية كبيرة، فترافقهنّ القابلة طوال مرحلة الحمل وتعطيهنّ الإرشادات حول الاهتمام بأنفسهنّ وبالطفل». وتلفت رحيّم إلى أنّه «لو حصل خلال عملية الولادة أي مضاعفات، أو حالة طارئة مثل النزف أو ارتفاع ضغط الدم، أو أن وضعية الطفل لم تكن طبيعية داخل الرحم... فإن القابلة تحوّل المريضة إلى مركز العمليات لتسيير ولادة متعسّرة أو في خطر، ولهذا السبب نحن ضمن حرم المستشفى».

فوائد الولادة الطبيعية
إذاً، الهدف هو تفادي الإجراءات والعمليات الجراحية غير الضرورية طبياً، كالسيطرة على ألم الولادة الطبيعية والتحكم بتوقيت الولادة، فضلاً عن شبهة الأرباح التي يحققها الأطباء والمستشفيات كون تكلفتها تفوق الولادة الطبيعية. وتبقى «الولادة الطبيعية الحل الآمن طبياً، وفق ما تؤكده الإرشادات العالمية الطبية، فعندما لا يكون ثمة سبب طبي يجعل الولادة القيصرية ضرورية، فالأكيد أن تلد المرأة بشكل طبيعي هو الأفضل، لما للأمر من فوائد كبيرة للأم وللطفل معاً من تقليص خطر مضاعفات العمل الجراحي غير الضروري وفائدته على المولود الحديث لتفادي بعض المشاكل التنفسية التي يمكن أن يواجهها في الولادة القيصرية وغيرها من المشاكل، كما ترفع فرص الرضاعة الطبيعية» تختم رحيّم.