تتجاوز «تكلفة الموت» مراسم العزاء، وغلاء سعر السكن الأخير «القبر»، لتصل إلى أجور المشايخ القيّمين على مراسم الدفن من الصلاة على الميت والدفن والتلقين. عدا إمامته لمسجد الغفران في مقبرة صيدا الإسلامية الجديدة في ضاحية سيروب، كلّفت دار الإفتاء في صيدا منذ سنوات الشيخ حسام العيلاني مهمة تلقين الشهادة للموتى عند إنزالهم في القبر، وهو فرض من فروض الدفن الشرعي. ظلّ الشيخ يتولى المهمة حتى أول من أمس، معلناً اعتزاله بسبب العبء المالي الذي يتكبّده جرّاء تنفيذ المهمة.يختصر الشيخ العيلاني الأمر بالقول: «لم أعد أريد أن ألقّن. أنا إمام وخطيب مسجد، أتقاضى مقابل ذلك مليونَيْ ليرة، ارتضيت بالأمر وقلت شأني في ذلك شأن كلّ الأئمة الآخرين، ولكنني كنت قد كُلِّفت من قبل دار إفتاء صيدا بتلقين الموتى وإلقاء موعظة الموت لقاء بدل مالي إضافي بلغ عشرين ألف ليرة عن الميت الواحد (على دولار 1500)، وجرى رفعه خلال الأزمة الى خمسين ألف ليرة».
ما يتقاضاه الشيخ بدل تلقين للموتى لا يكفي لتسديد كلفة النقل إلى المقبرة


هذا المبلغ لم يعد يكفي للانتقال من قبر إلى آخر داخل المقبرة الواحدة، فكيف بالانتقال من المنزل إلى المقبرة؟ يسأل العيلاني سارداً ما حصل معه قبل يومين: «كانت هناك ثلاث جنازات في مقبرة صيدا، وكلّ قبر يقع في زاوية بعيدة عن الأخرى. مشيت باتجاه القبر الأول ولقّنت الميت الشهادة، وتوجّهت مشياً ناحية القبر الثاني ولقّنته أيضاً، أما القبر الثالث فكان في أبعد زاوية من المقبرة وكنت قد تعبت من المشي فتوجهت بالسيارة للتلقين، ليتبيّن لي أن كلفة البنزين للوصول إلى القبر كانت أغلى من أتعابي لقاء التلقينات الثلاثة». عندها، قرّر العيلاني التوقف عن التلقين، وبلّغ مفتي صيدا بقراره وقال له: «لن أقبل أن أدفع من جيبي لأداء هذه الوظيفة». يردّ العيلاني على الذين استغربوا قراره بالقول: «نحن ندرس المشيخة ونتعب، ليس لكي نعمل مجاناً، وإلا من أين سنعيش ونطعم عائلاتنا، الشيخ ليس جمعية خيرية، ما عدت قادراً على التصدّق على الناس».
يُذكر أن كلفة الدفن التي تعود إلى صندوق الأوقاف كانت 750 ألف ليرة (على سعر 1500 للدولار)، وقد ارتفعت ثمانية أضعاف، لتصل إلى 6 ملايين ليرة، بينما لم يرتفع بدل التلقين الذي يعود للشيخ الملقِّن سوى ما يقارب الضعف فقط (من 20000 إلى 50000 ليرة فقط).