يستمرّ إضراب أساتذة القطاع الرسمي للأسبوع الثالث على التوالي بإيقاف العملية التعليمية في المدارس الرسمية وإقفالها، هذا التحرك الذي بدأ على وقع انكشاف «صورة وعود وزير التربية الخاوية بدفع حوافز»، يتوسّع يومياً ليطالب بتقديم «حلول شاملة» للأساتذة ترفع عنهم «غبن سنوات الانهيار»، سيّما حل أزمة النقل، فالمطلب تحوّل من «تعديل بدل النقل إلى تحديده بـ6 ليترات بنزين يومياً». في هذا الوقت، لا يزال وزير التربية يوزع الوعود يَمْنةً ويَسْرةً، ففي مؤتمر «إطلاق الخطة الخمسية للتعليم العالي» أشار إلى «موافقة الجهات المانحة على استخدام جزء من الأموال المقدمة منها إلى المعلمين والعاملين في المدرسة»، ولكنّه يضع مشكلة تسييل هذه الوعود في مجلس الوزراء. في المقابل، ترى مصادر الروابط في كلام الوزير «مناورات لا تقدّم أيّ جديد»، وترشح «التصعيد غداً في مؤتمرها الصحافي»، وتحمّل «الدولة مسؤولية العام الدراسي».
النقل تاريخياً
تشكّل كلفة النقل أرقاً لموظفي القطاع العام، ومنهم أساتذة التعليم الرسمي، منذ بداية الأزمة، وانهيار قيمة العملة الوطنية وتدني قدرتها الشرائية. وتتفاقم مشكلة هذا القطاع بسبب التعقيدات الإدارية التي ترافق أيّ زيادة مالية، فيدخلون كلّ مرة في سباق بين قبض الزيادات على الراتب، وبين تدني قيمة العملة، فيأكل التضخم والغلاء الليرات الإضافية قبل أن تصل إلى جيوبهم، والتمكّن من الاستفادة منها.
قبل عام 2020، كان بدل النقل لموظفي القطاع العام ثابتاً على 8 آلاف ليرة عن كلّ يوم حضور، ولم تتجاوز قيمة صفيحة البنزين يومها الـ22 ألف ليرة، بالتالي يساوي بدل النقل اليومي أكثر بقليل من ثلث ثمن الصفيحة. ويُسمح للموظف بالتنقل من وإلى مركز عمله بحريّة تامة، ومن دون متاعب تُذكر، فكان الموظفون العاملون في بيروت مثلاً يفضلون العيش في قراهم، والذهاب يومياً إلى مركز العمل، على أن يستأجروا أو يشتروا منازل قريبة من مراكز العمل. وخلال الفترة الممتدة من آب 2021، إلى تشرين الأول 2022، وعلى إثر ارتدادات الأزمة تمّ تعديل بدل النقل 3 مرّات، فارتفع أول مرّة إلى 24 ألفاً، ومن بعدها أصبح 64 ألفاً، وصولاً إلى قيمته الحالية 94 ألفاً، ولكن كلّ هذه الزيادات لم تواكب الارتفاعات المتتالية في سعر صفيحة البنزين التي تقترب اليوم من المليون ليرة، بالتالي بدل النقل اليومي لا يغطي سعر 10% من قيمة صفيحة البنزين، أي أقلّ من ليترين يومياً، بعدما كان في السّابق (قبل عام 2020) مساوياً لـ7 ليترات يومياً.

الحلول جزئية
ومنذ مطلع عام 2021، الذي حمل معه العودة إلى الأعمال الحضورية في المكاتب، بعد هدوء جائحة كوفيد-19 صدحت أصوات الموظفين مطالبين بإعادة احتساب بدلات جديدة للنقل، أو العمل على نقلهم إلى مراكز عمل قريبة من أماكن سكنهم للتخفيف من أعباء النقل، وتظهر المشكلة بشكل أوضح عند أساتذة التعليم الثانوي المعيّنين عام 2019، إذ تقدّم يومها عدد منهم للتعليم في مناطق بعيدة عن أماكن سكنهم لزيادة فرصهم بالنجاح والدخول إلى «جنة الوظيفة العامة»، التي ما لبثت أن انقلبت «جهنّم» عليهم. يروي أستاذ من النبطية أنّه كان مضطراً للذهاب يومياً إلى مرجعيون للتعليم، وأستاذة أخرى من بعلبك كانت تنزل يومياً إلى بيروت، وزميلتها في الثانوية ذاتها تأتي أيضاً من منطقة كسروان. ولكن، لم يطل هذا الحال كثيراً، فاجتمع هؤلاء الأساتذة من لبنان كلّه، وشكّلوا قوة ضغط ومتابعة في وزارة التربية دفعت نحو استصدار «قرار نقل جزئي استثنائي» وضعهم في مراكز عمل قريبة من مناطق سكنهم، مع تركهم يعلّمون لـ«يوم واحد أسبوعياً في مركز العمل القديم»، بالتالي لم تُحلّ المشكلة بشكل كلّي.