أكثر من 16 ألف مبنى مهدد بالانهيار في حال حدوث أي زلزال، وفق تقديرات جمعية «شبكة سلامة المباني».. يندرج لبنان في المنطقة المتوسطة الخطورة للكوارث الطبيعية. يتعرّض سنويًا لحوالى600 هزة، وقد يصل بعضها الى مستوى الخطر. في ظل هذا الواقع «المهّدد»، تغيب الجهود الفعالة والجدية لتفادي الكارثة وتغيب «النية» في إنشاء هيئة لإدارة الكوارث على نحو قانوني وفعال تتناسب وخطورة الزلزال.
«نتمنى على المواطنين أخذ الحيطة والحذر» ، يكثُر هذا «التمنّي» على لسان المسؤولين في حالات الكوارث، إلا أن مفهوم «الحيطة والحذر» غير وارد في أذهان اللبنانين، ذلك أنه يتطّلب «ثقافة» الكارثة التي يجب أن تبنى على مرّ سنوات لترسيخ المعنى الحقيقي لكيفية التعامل مع الكوارث والزلازل. يشير رئيس جمعية «يازا» زياد عقل الى أهمية وجود «خطوات توعية تراكمية، تبدأ من المدرسة والجامعة، لتدريب الطلاب وتصل الى المؤسسات العاملة وتدريب الموظفين في القطاعين العام والخاص». ويشمل التدريب مثلا كيفية إخلاء المبنى، أو كيفية انتقاء الأمكنة التي يجب أن يلوذ بها الفرد، فضلًا عن تفادي الهلع وضرورة التماسك.
يغيب عن مسؤولينا أن ثمة أمورا أهم من «الحيطة والحذر»، تتعلّق بمسؤولياتهم وضرورة تحمّلها. يقول رئيس جمعية «شبكة سلامة المباني» يوسف عزّام إن «تأثير الزلازل في لبنان يقع بالدرجة الأولى على المباني». تُقسم المباني بين مبان حديثة وقيد الإنشاء ومبان قديمة. اللافت أن عزام يقول إن نسبة كبيرة من المباني معرّضة للانهيار في حال ضرب لبنان زلزال بقوة 6 الى 7 درجات، باعتبار ان هذه المباني قديمة، منها ما نشأ قبل صدور قوانين التأكد من السلامة العامة ومنها ما مرّت بفترة السبعينات ولم تسلم من رصاصات الحرب ورضوضها. «نتكلّم عن أكثر من نصف مليون شخص» يقول عزام موضحًا احتواء هذه المباني على عدد كبير من سكان لبنان.

هناك 16.260
مبنًى مهددة
بالانهيار معظمها
في بيروت
تشير التقديرات الإحصائية التي قامت بها «شبكة سلامة المباني» الى وجود 16.260 مبنًى مهدد بالانهيار. القسم الأكبر يتوزع على محافظة بيروت (10460 مبنى) من ثم 4000 مبنى في طرابلس وزحلة وصيدا و640 مبنى في قرى محافظة جبل لبنان و600 مبنى في برج حمود والشياح و160 مبنى موزع بين قرى محافظة الشمال والجنوب ومرجعيون والبقاع .
في ما يتعلّق بالمباني الجديدة ، ثمة مرسوم يتعلّق بالسلامة العامة والوقاية من الزلازل يحتم استيفاء المواصفات والمعايير المطلوبة للبناء، إلا أن عقل يشكك في جدية تطبيقها، ويؤكد «غياب الرقابة الفعّالة» . وتكفي بعض الصور، التي عُرضت خلال المؤتمر الذي دعت اليه جمعية «اليازا» بالتعاون مع «شبكة سلامة المباني» عن بعض المباني «المهزوزة» التي ما زالت قيد الانشاء، للتأكد من وجود مخالفات كبيرة في هذا المجال. من هنا كان التأكيد على دور الدولة والبلديات في مراقبة المباني ومتابعة واقعها الإنشائي وإنشاء وحدات هندسية من أجل العمل على مسح ميداني لهذه المباني.
«لا نملك الحد الأدنى من المقومات للتعامل مع الكوارث»، هذا ما يخلص اليه عقل، الذي استبعد أن تُترجم كلمة «الحيطة والحذر» واقعًا، مستشهدًا بواقعة مبنى فسّوح و«عجز الدولة حينها عن التعامل مع تلك الكارثة».
المفارقة أنه في حال الزلازل، يجري اللجوء الى الدفاع المدني، إلا أن الأخير «يفتقر الى الكثير من المعدّات المتطورة واللازمة لهذه الحالات، كذلك فإن عناصره غير خاضعين لدورات تدريبية للتعامل مع الزلازل» يقول عقل، فيما يستطرد عزّام «هناك مركز للدفاع المدني يقع تحت جسر في حارة حريك!»، فكيف للعنصر الأهم الذي يجري الاستعانة به في حال الزلزال أن يكون أوّل الضحايا؟
بعد الدفاع المدني، تأتي المستشفيات. غالبًا ما «تجهد» البلدان المتطورة (حتى تلك التي لا تتعرض لزلازل) للحفاظ على مباني المستشفيات وإجراء الصيانة لها على نحو مستمر والتأكد من «صحة» واقعها الإنشائي. في لبنان، معظم المستشفيات مضى على إنشائها وقت طويل، وهي غير مجهزة لـ«مواجهة» الزلزال. فكيف بها تستقبل ضحاياه؟
وعلى الرغم من أنه جرى إعلان إنشاء «هيئة لإدارة الكوارث» منذ أربع سنوات ، إلا أن مجلس النواب لم يقرّها. وبالتالي فإن المسؤولية تبقى منوطة ببعض اللجان الموزعة في وزارة الأشغال، وبـ «الهيئة العليا للإغاثة» التي من مهماتها توزيع تعويضات على المتضررين. والمطلوب هو هيئة تحتوي على غرف عمليات تكون مسؤولة عن مختلف القطاعات، وتأخذ على عاتقها مهمة نشر ثقافة التعامل الكارثة وكيفية مواجهتها شعبًا ومسؤولين.
وعلى الرغم من أن المؤتمر خلُص الى التأكيد على عدم إمكانية تفادي الزلزال، إلا أنه شدد على امكانية الحماية من مخاطره.