في أواخر عام 2007 قرّر مجلس الوزراء استملاك العقار الذي تقع فيه قلعة الحصن في كيفون، وأواخر العام الماضي زارها وزير الثقافة محمد وسام المرتضى يرافقه المدير العام للآثار سركيس الخوري لإطلاق حملة ترميمها، من دون أن تثمر هذه الزيارة عن أيّ إجراء عملي ينقذ القلعة ذات التاريخ العريق من حاضرها الصعب الذي أحالها إلى كومة من الحجارةعلى إحدى تلال بلدة كيفون يقف بناء أثري فريد من نوعه، لا بد أن يثير حشرية من يمرّ بجانبه. ومن يسأل عن طبيعة الموقع أو هويته، سيأتيه الجواب سريعاً من أبناء البلدة: إنها قلعة الحصن. صحيح أنه لا تجوز المقارنة بين القلعة السورية الشهيرة في محافظة حمص وبين القلعة الكيفونية، لا من حيث الضخامة أو الشهرة وحتى الجمال الهندسي، إلا أن القلعة الكيفونية ورغم تواضع حجمها وشهرتها المعدومة، تبقى قلعة أثرية تنضح بالتاريخ العريق.
عراقة القلعة أثبتتها المديرية العامة للآثار التي قامت بدراسة الموقع والبناء القائم عليه، وذلك عبر حفر إسبار بعمق متر ونصف متر تحت مستوى أساسات البناء، مع إزالة الأنقاض عن الجزء الأقدم والأساسي له. واستناداً إلى الطبقات الأثرية التي تمّ الكشف عليها، تبيّن أن القلعة شهدت تعاقب حقبات تاريخية منذ الألف الأول قبل الميلاد مروراً بالفترة الإغريقية والرومانية والبيزنطية والعصر الوسيط. وفي ما يختصّ بالبناء، من الناحية الهندسية، فقد تبيّن للمديرية العامة للآثار أن البناء الحالي خضع لعدة تحولات على فترات تاريخية متعدّدة، حيث يرجّح أنه كان قائماً على أنقاض بناء أقدم يعود إلى الفترة الفارسية أو حتى إلى العصر الحديدي الأوسط (الألف الأول قبل الميلاد). أما أساسات البناء الحالي فتتألف من عدة مداميك تعود من حيث الشكل والتقنية والحجم إلى الفترة الرومانية.

حقبات تاريخية
قبل سنوات وضعت الدكتورة سمر مكي (أستاذة في الجامعة اللبنانية- كلية الفنون الجميلة والعمارة) بالتعاون مع رشيد مكي دراسة حول تاريخ بلدة كيفون وآثارها بالاستناد إلى الكتب والوثائق التاريخية. سلّطت الدراسة الضوء على أبرز المراحل التي مرّت بها القلعة والتغيّرات التي طرأت عليها، بدءاً من الزلازل والهزّات العنيفة التي ضربت منطقة الشام بين عامَيْ 1153م و1158 وخلال عام 1302م، فتأثرت خلالها القلعة بشكل كبير، ما أدى إلى تداعي الطبقة العليا، ما دفع بالتنوخيين إلى ترميمها وإضافة غرف أخرى، إذ كانت كيفون وقتها تحت حكم الإمارة التنوخية. بقيت القلعة على حالها، من التنوخيين مروراً بالمعنيين، وصولاً إلى عهد التلاحقة (نسبة إلى آل تلحوق) عندما أضيفت في مطلع القرن العشرين طبقة جديدة على القلعة. وقدّمت الدراسة شرحاً هندسياً مفصّلاً عن القلعة، بالإضافة إلى تحديد أنواع الصخور المستخدمة فيها، إذ توضح الدراسة أن الآثار الباقية تشكل قاعدة مربّعة بضلع طوله 10 أمتار عليها بقايا حوائط مهدّمة تصل سماكتها حتى 2.5 متر.
بين أهالي كيفون والقلعة «علاقة عمر»، ولكبار السن في البلدة قصص وذكريات معها تعود إلى أيام الطفولة، من التسابق على تسلّق جدرانها إلى البحث في أزقتها الضيقة والمظلمة عن الجرار القديمة أملاً بالعثور على الكنوز القيّمة. ورغم عدم عثورهم على الذهب المنشود يروي كبار القرية أن القلعة كانت تحتوي على العديد من القطع الفخارية القديمة.

محاولات هدم
لكنّ تاريخ القلعة العريق لا يشبه مطلقاً حاضرها الصعب، فالطوابق العليا والعديد من الجدران والأعمدة تهدّمت، كما أن الطابق السفلي بات مطموراً، ما أفقد القلعة الكثير من جمالها ورونقها لتبدو حالياً مجرد كومة من الصخور الأثرية المتراصفة، ومقارنة الصور القديمة للقلعة مع شكلها الحالي تثبت هذا الأمر. وتعزو مكي الوضع المتدهور للقلعة إلى القصف الإسرائيلي الذي طاولها إبّان الاجتياح عام 1982 بالإضافة إلى تعرّضها لمحاولة تخريب متعمّدة من قبل بعض الأشخاص في تسعينيات القرن الماضي من أجل إزالتها وتشييد مبنى سكني مكانها. يومها خاضت مكي برفقة عدد من المدافعين عن الأماكن الأثرية وأهالي البلدة معركة شرسة للمحافظة عليها، ليدور جدل حادّ بين طرف يريد هدم القلعة لأسباب اقتصادية بذريعة أنها مجرد «خربة»، وبين طرف مدرك لأهميتها الأثرية والحضارية، ليتمّ اللجوء إلى المديرية العامة للآثار التي حسمت الجدل بإثباتها أثرية الموقع.

قرار الاستملاك
في أواخر عام 2007 صدر عن مجلس الوزراء المرسوم الرقم 512 القاضي باستملاك العقار الذي تقع فيه القلعة. خطوة كانت ضرورية وحاسمة في حماية الموقع، لكنها غير كافية، فالقلعة بحاجة ماسة إلى ترميم وإصلاح التعديات التي طاولتها، ما قد يسهل عملية تسويقها وتعريف الناس بها ولا سيما أنها مجهولة عند أغلب اللبنانيين.
وفي هذا السياق، زار وزير الثقافة محمد وسام المرتضى يرافقه المدير العام للآثار سركيس الخوري قلعة الحصن في أواخر العام الماضي لإطلاق حملة ترميمها. فكرة الترميم انطلقت بين مجموعة من الخبراء تضم أساتذة من الجامعة اللبنانية وعلماء آثار بارزين (عماد غملوش، مهى المصري، وسام خليل، عصام علي خليفة وزياد العريضي) وجمعية حماية البيئة في لبنان (spnl). يومها قدّمت المجموعة عرضاً مفصلاً حول عملية ترميم القلعة للجمعية، غير أن أعمال الترميم لم تبدأ بانتظار حصول الجمعية على تمويل يسمح لها بمباشرة أعمال الترميم.
وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور عماد غملوش، رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وأحد المساهمين في الدراسة المتعلقة بالقلعة، أن عملية الترميم ليست صعبةً بل دقيقة، وهي تتطلب إمكانات مادية ولوجستية، بدءاً من الحفر ومروراً بالتسييج والحماية والنقل، ثم وصولاً إلى الترميم، مضيفاً أن الدراسة تشير إلى أن أعمال الترميم الموزّعة على مراحل مختلفة يفترض أن تستغرق بين 3 و5 أعوام، أما تكلفة العملية فتبلغ حوالي الـ500 ألف دولار.
إذاً، تنتظر قلعة الحصن في كيفون تمويلاً يسمح بترميمها وإنقاذها وإعادتها إلى سابق عهدها، وهذا الأمر ليس مستعصياً بحسب خبراء من الآثار، الذين يؤكدون أن مواقع أثرية أقدم وأضخم من قلعة كيفون تمّ ترميمها. وإذا كانت عمليات الترميم بشكل عام تستوجب وضع دراسة علمية عن تاريخ القلعة لدراسة الشكل الهندسي القديم لها، فهذا الشرط متوافر في حالة قلعة الحصن، غير أن المشكلة تكمن في غياب التمويل الذي يسمح بالمباشرة بأعمال الترميم تحت إشراف خبراء آثار مختصّين، على أن تكون الصخور والحجارة التي سقطت من الموقع ما زالت موجودة في المكان ذاته ولم يجر بيعها ونقلها من أجل استخدامات أخرى، وبالتالي فإن ما قد يسهّل عملية ترميم قلعة كيفون هو أن الصخور التي وقعت لا تزال تجاور القلعة.