كنت أتوقّع الكثير، إلا أن أخسر دفعة واحدة أبي (علي مظلوم، 65 عاماً) وأمّي (فاطمة مظلوم) وزوجتي (زينب شمس) وابنتي الكبرى (آلاء 16 عاماً) ولعبتي الصغيرة فاطمة مظلوم (5 سنوات) وأحد أصدقاء العائلة من "آل عثمان". لم ينسَ حسين مظلوم بعدُ تفاصيل اليوم الذي تعرّض فيه منزل العائلة للقصف في بلدة بريتال، كما لم تخفّف السنوات الست عشرة من حجم ألمه. يتذكّر طفلته فاطمة، ابنة الخمس سنوات، التي لم تشعر بالخوف طيلة أيام الحرب، إلا يوم المجزرة. كانت تثق بتطمينات والدها حسين الذي لم يكن يفارقها. لكن في اليوم الذي ستُرتكب فيه المجزرة، شعرت فاطمة بالخوف "لم تلعب أو تضحك رغم وجود أفراد العائلة في بيت جدّها". كانت العائلة قد اجتمعت كاملة منذ منتصف أيام الحرب في منزل الجد علي مظلوم تلبية لرغبته. عبّرت فاطمة عن خوفها، على الرغم من أنه لم يكن هناك قصف أو طيران. فقط صوت طائرة الاستطلاع MK التي كانت تحلّق فوق المنزل. "رغم التطمينات إلا أنها بقيت خائفة، لتتدخّل والدتي الحاجّة فاطمة مظلوم وتقول لي وللمرة الأولى: إذا صار شي يا حسين انتبه على إخوتك وخيّاتك". دعوت لها بطول العمر فقالت: "الله يرزقني الشهادة". مازحها والدي "روحي احملي بارودة وقاتلي، هيك بتستشهدي" فردّت بعبارة لا أنساها "إن شاء ربك فعل".
يحاول حسين لجم مشاعره وهو يروي اللحظات الأخيرة مع عائلته، اللحظات التي لم ينسَها رغم مرور 16 عاماً، لأنها ما زالت أنيسته في كل ليلة قبل نومه. وتوزّعت العائلة المؤلفة من 28 شخصاً في أرجاء المنزل، ومنهم من غيّر عاداته. اختار الجد النوم في سرير ابنه حسين، الذي كان يسهر مع والدته على "التراس"، فيما بقية الأفراد العائلة في غرفهم "إلا شقيقي عدنان، ورده اتصال طويل فخرج يتمشّى خارج المنزل". قرابة الساعة 11:15، ومن دون سماع صوت طيران حربي، وفي أجزاء قليلة من الثانية سمعت صوت انفجار خفيف بدأ يرتفع بعض الشيء لأشاهد لوناً برتقالياً يأتي من داخل المنزل مع ضوء قوي. مرّت اللحظات ببطء وكأنّي في مكان غير مكاني، قبل أن أستعيد وعيي وأسمع صوت شقيقي عدنان ينادي "يا أخي يا حسين".
يكمل مظلوم: "شاهدت بعض الشباب يساعدونني ويمنعونني من مشاهدة أي شيء حولي إلى أن التقيت بعدنان وعندها أدركت أن الكارثة كبيرة جداً والفاجعة أكبر".