على بُعد عشرات الأمتار من معتقل الخيام، الذي تحوّل إلى مزار يقصده اللبنانيون من كلّ المناطق، يجول محمد عواضة حول مبناه السياحي الجديد، متباهياً. ليس لأنه استطاع تأمين مصدر عيش مربح فحسب، بل لأن في ذلك «تجسيداً لانتصار على واقع مرير عاشه أبناء الجنوب، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، منذ احتلال فلسطين». يختصر الأمر بالقول إن «حرب تموز دفنت في نفوسنا كلّ الهزائم، وأنبتت أماناً وقوة جعلانا نُقدم على ما نحن عليه اليوم».الإهمال الذي تعرّضت له المنطقة الحدودية من قبل الدولة ومؤسّساتها، بعد تحريرها، وبعد خوض أبنائها الحرب التي شنّت عليهم على مدى 33 يوماً، لم يخفّف من حماسة أهالي المنطقة لخلق أفق للعيش بكرامة من دون خوف من أي حرب مقبلة. استصلحوا آلاف الدونمات وزرعوها، كما بنوا المنازل والقصور الفخمة، وفرضوا منطقتهم على الخريطة السياحية، ليعبّروا بذلك عن ثقتهم بأن «زمن الهزائم قد ولّى».

استصلاح الأراضي
في منطقة الوزاني وسردة والمجيدية الملاصقة للحدود، عمد رجال الأعمال، القادم بعضهم من البقاع، إلى تحويل آلاف الدونمات من الأراضي القاحلة إلى جنّة خضراء، مليئة بالأشجار المثمرة من العنب والفواكه المختلفة والخضار التي يصدّر إنتاجها إلى معظم المناطق اللبنانية وإلى سوريا أيضاً. تنتج منطقة الوزاني المستصلحة اليوم آلاف الأطنان من العنب والنكترين والخضار بحسب المستثمر محمد شيت. يقول إن «ما تم إنجازه حوّل المنطقة من جرداء إلى خضراء تنافس في جمالها وإنتاجها الأراضي الزراعية داخل فلسطين المحتلة، لكن الاستمرار يحتاج إلى دعم الدولة لنا في مواجهة الأزمة الاقتصادية».
وعلى طول الحدود أصبح البناء مطلب رجال الأعمال، الذين وجدوا في التلال الملاصقة للمواقع العسكرية الإسرائيلية والمشرفة على المستعمرات، مراكز لجذب السيّاح، لذلك تم بناء عشرات «الشاليهات»، إضافة إلى الحدائق العامة التي شُيّدت بدعم من البلديات. في بلدة الخيام، اختار عدد من رجال الأعمال الأماكن المشرفة على «مستعمرة المطلة» وسهل الخيام لبناء أكثر من 45 «شاليهاً»، يكلّف الواحد منها ما يزيد على 70 ألف دولار أميركي، لتتحول البلدة وسجن عدوها المهدّم، إلى مقصد للسيّاح، من كل المناطق اللبنانية.

لا حجوزات صيفاً
«انتشار المسابح والشاليهات في القرى الحدودية، يعتبر أمراً جديداً على المنطقة التي كانت مهملة منذ نشأة الكيان، وخضعت للاحتلال طيلة أكثر من 20 عاماً. لكن الإحساس بالأمان بعد الانتصار في حرب تموز، جعل الأهالي يستخدمون عناصر القوة لديهم، فركزوا على الاستثمار في السياحة والزراعة» يقول أحمد عبدالله، الذي شيّد شاليهين على الحدود، لافتاً إلى عشرات الشاليهات المنتشرة في قرى حاصبيا ومرجعيون، «وبات يرتادها السياح من مختلف المناطق، واللّافت هو نفاد الحجوزات طيلة أيام فصل الصيف وقبل بدء الموسم السياحي».
وعلى كتف وادي الحجير، الذي سُحقت فيه دبابات «الميركافا» الإسرائيلية، شُيّدت الشاليهات والمنتزهات المختلفة في بلدات قلاويه والغندورية والطيبة، و«استطاعت أن تؤمن فرص العمل لعشرات المقيمين، وساهمت أخيراً في التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية على أبناء المنطقة» كما يُشير حسن صولي (الطيبة)، الذي أكد على «وجود أكثر من 10 شاليهات في الطيبة فقط».
وجد المستثمرون في التلال المشرفة على المستعمرات مراكز لجذب السيّاح


يرى رئيس بلدية الخيام عدنان عليان أن «الأهالي استطاعوا تحويل المنطقة الحدودية إلى منطقة سياحية وزراعية، ما أدى إلى زيادة أعداد المقيمين بعدما ازداد عدد العمال في المطاعم والمنتزهات، كما ازداد عدد المزارعين الذين يبيعون إنتاجهم للسياح والمغتربين».
وفي إحصاء لاتحاد بلديات جبل عامل، فقد ازداد عدد الوحدات السكنية في قرى الاتحاد الحدودية (16 قرية) من 9099 وحدة عام 2010 إلى 17213 وحدة عام 2020، ومعها 31 حديقة و58 مطعماً. انعكس هذا التطور على نمو التجارة، وامتلأت الطريق الحدودية بالمحال التجارية، لتصبح بعض القرى مراكز تجارية مقصودة من معظم الأماكن اللبنانية مثل ميس الجبل التي «يقصدها الزبائن من صور وصيدا والبقاع وجزين» يقول رئيس البلدية عبد المنعم شقير، معتبراً أن «انتصار تموز شجّع أبناء البلدة على بناء مئات المحلّات التجارية قرب الحدود».