لا يكشف فيديو الضرب والإهانات الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أول من أمس، كلّ ما تعرّض له العمّال اللبنانيون والسوريون من أذى على يدَيْ صاحب المزرعة الذي التحقوا بالعمل عنده. ثلاثة شبّان لبنانيين من الذين سلكوا المسار القضائي لملاحقة المدعوّ شربل طربيه، فيما هو متوارٍ عن الأنظار، يتحدّثون عن تعرّضهم للصعق بآلة كهربائية بعد رمي الماء على أجسادهم.
قطف الكرز
تحوّلت رحلة العمل في قطف الكرز، التي انطلق فيها ثلاثة شبّان من منطقة فنيدق في عكار إلى جرود العاقورة في جبيل، إلى حكاية هزّت مشاعر اللبنانين بعد انتشار فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف ما تعرّضوا له، مع عدد آخر من العمّال السوريين، من تعذيب جسدي وإذلال على يد شربل طربيه الذي عمل الشبّان في مزرعته.
بدأت القصة عندما تلقّى أحد التجار في عكار اتصالاً طُلب فيه منه تأمين عمّال لقطف موسم الكرز في جبيل، وبناءً عليه التحق نحو 14 عاملاً بالعمل. منهم من كان يبحث عن مدخول إضافي ليساعد عائلته ومنهم من هو دون الثامنة عشرة من العمر، وتوجهوا قبل أسبوع تقريباً من منطقة العبدة حيث يقطنون، إلى العاقورة، ليعودوا مساء الأحد، بعدما تعرّضوا إلى التعذيب على يدي صاحب الأرض من دون أن يخبروا ذويهم بما حدث معهم.

انتشار الفيديو
بعد ثلاثة أيام من عودتهم، انتشر "فيديو التعذيب"، وظهر فيه ثلاثة شبّان من أبناء بلدة فنيدق وهم أحمد خضر البعريني (مواليد 1993)، ومحمود محمد البعريني (مواليد 1999)، وأحمد محمد البعريني (مواليد 2000). يؤكد والد الشابين محمود وأحمد أنه لم يعرف بحجم الاعتداء الذي لحق بولديه إلا بعد انتشار الفيديوهات "قالا إن إشكالاً وقع بينهم وبين صاحب الأرض، واعتبرنا أن ما حصل إشكال صغير وبيمرق، ولم نتوقع أن يكون بهذه الخطورة". ويروي أحدهم ما حصل: تفاجأنا نهار الأحد (آخر يوم عمل) بصاحب الأرض يتحدّث عن سرقة مبلغ من المال وقدره 100 مليون ليرة، بالإضافة إلى ساعة يد ونظّارات كانت موجودة داخل منزله. ثم قام باتهامنا جميعاً وسارع بمساعدة ثلاثة شبان آخرين إلى تقييدنا وحبسنا داخل غرفة بعدما أوقفنا إلى جانب الحائط، وعمل على ضربنا بواسطة شريط كهربائي وحاول تصويرنا ليحصل على اعتراف منا بالسرقة. رجوناه كي لا يضربنا، وحلّفناه بالنبي وبالمسيح، لكنه لم يتوقف حتى إننا قلنا له لا نريد أجرتنا منك... مسامحينك".
لم تتمكّن القوى الأمنية من توقيف طربيه بعدما داهمت منزله أكثر من مرة


غضب فنيدق
وكان العمّال طالبوا طربيه بأجرتهم ووعدهم أن يفعل ذلك يوم الأحد "وبدل أن يدفع لنا اتهمنا بالسرقة، وعلمنا أنها ليست المرة الأولى التي يفعلها مع العمال، بل مارس الأسلوب نفسه مع عمّال آخرين ولم يدفع لهم أجرتهم بعد الانتهاء من عملهم".
ينتمي الشبّان اللبنانيون إلى واحدة من أكبر عائلات فنيدق، وقد أثارت الحادثة حالة كبيرة من الغضب في أرجاء البلدة، فقطع عدد من أبنائها أوتوستراد العبدة - حلبا قرب مخفر الدرك مطالبين بتوقيف الفاعلين ومحاكمتهم. كما صدرت بيانات استنكار ومطالبة بملاحقة المرتكبين، عن كلّ من بلدية فنيدق ومخاتيرها والمفتي الشيخ زيد بكار زكريا، ولم يخلُ الأمر من تدخل فعالياتها على رأسهم النائب وليد البعريني، وتكليف المحامي محمد البعريني لمتابعة الأمر قضائياً.

المسار القضائي
ويكشف المحامي عن اتخاذ الشبّان الثلاثة، ومعهم العمّال السوريون الأحد عشر، صفة الادّعاء الشخصي بحق المدعوّ شربل طربيه "وسنطالب بعرض الشبّان على طبيب شرعي للكشف عليهم، إذ إن آثار الضرب والجلد والتعذيب لا تزال ظاهرة بوضوح تام، بالإضافة إلى تعرّضهم للصعق بآلة كهربائية بعد رمي الماء على أجسادهم، فيما تظهر الفيديوهات تقييد الشبان ووضع حبة بطاطا في فم كل منهم لإذلالهم وترهيبهم". ويرجّح المحامي أن تكون خلفية طربيه "عدم تسديد المستحقات إلى العمّال، لأنهم بعدما أنجزوا مهمتهم وقرروا العودة إلى منازلهم تفاجأوا باتهامه لهم بسرقة نظّاراته الشمسية ومبلغ 100 مليون ليرة لبنانية"، متسائلاً: "أين سيخبئ هؤلاء المئة مليون ليرة، على الرغم من أنهم لا يملكون سيارة أو أي شيء لتخبئتها؟".
وأكّد المحامي أن النائب العام "طلب إحضار المعتدي وتوقيفه، ولكن حتى الساعة هو فارّ من وجه العدالة ولم تتمكن دوريات القوى الأمنية من توقيفه بعدما داهمت منزله أكثر من مرة". كما طمأن إلى أن لا إجراءات ستُتّخذ بحق أيّ عامل سوري قد لا يكون حاملاً لأوراقه القانونية.