منذ أن حفظ العالم اسم المُتحوّر الجديد، «أوميكرون»، والجميع يسأل عن تداعياته على القوانين والأنظمة والإجراءات الوقائيّة. وبعد أن بدأت مجموعةٌ كبيرةٌ من الدول برصد المتحوّر بين سكّانها، خصوصاً المُلقّحين أو من أُصيبوا سابقاً بفيروس كورونا، حتّى عادت الحكومات للتخبّط في شأن الإجراءات الصحّيّة الواجب اتّباعها.فالعالم لم يُشفَ بعد من مشاهد الوفيات الجماعيّة التي لا يريد أحدٌ العودة إليها، وقد بدأت دولٌ عدة بالفعل فرض إجراءات صحّيّة مستجدّة وصارمة، كفرض شروط على المُسافرين، أو تقييد الحدّ الأقصى للتجمّعات، أو العودة إلى التعليم والعمل عن بُعد قدر الممكن. والهرع إلى اتّخاذ هذه الإجراءات قد يكون مُبرّراً، فرغم أنّ الناس أُنهكت من الوباء وسئمت الحديث والقراءة عن الفيروس، إلّا أنّ الفيروس لم يسأم منّا بعد. في الوقت عينه، هُناك دراسات قد تعطي انطباعاً إيجابيّاً مُطمئناً حول المُتحوّر الجديد وحدّة إصاباته. فما مدى حدّة الإصابات بهذا المتحوّر؟ وما التبعات المتوقّعة له؟
نشرت مجلّة «nature» على موقعها الإلكتروني الأسبوع الفائت مقالاً للصّحافيّة العلميّة هايدي لادفورد تحت عنوان «ما مدى خطورة الإصابة بمُتحوّر أوميكرون؟» لخّص أغلب الدراسات التي أُجريت حتى الآن حول أثر المتحوّر الجديد، من أكثر من ناحية.
بحسب لادفورد، فإنّ الدراسات والتقارير الأوليّة من جنوب أفريقيا أظهرت حتّى الآن انخفاضاً في حالات الاستشفاء لدى المُصابين بمُتحوّر «أوميكرون» مقارنةً بالمُصابين بمُتحوّر «دلتا» (الطاغي حالياً). ولم تُظهر التقارير في الدنمارك وبريطانيا اختلافاً في حالات الاستشفاء بين المُتحوّرين، إلّا أنّ لادفورد تُشير إلى أنّ هذه الدراسات أُجريت على عيّنة محدودة من المرضى. ولكن رغم أنّ التقارير تدعو للتفاؤل حتى الآن، أو على الأقل لا تدعو للتشاؤم، إلّا أنّها لا تزال أوّليّة، والتداعيات الحقيقيّة للمتحوّر الجديد قد تحتاج وقتاً أطول لتتّضح. إضافةً لذلك، ينبغي التمهّل بشأن نسب الاستشفاء، فهي وإن كانت أقلّ مقارنةً بمتحوّرات أخرى، فإنّها ستصبح أكثر أهمّيّة إذا ما كان «أوميكرون» أسرع انتقالاً، فيعلو بسبب ذلك عدد المُصابين، بالتّالي يرتفع العدد الإجمالي للمرضى الذين هم بحاجةٍ للاستشفاء.
وما زالت الدراسات حول فعاليّة اللقاحات ضدّ مُتحوّر «أوميكرون» غير كافية لتقييم فعاليّتها ضدّه. لكنّ قسماً كبيراً من الاختصاصيّين مُتفائلون بالنسبة لفعاليّة اللقاحات في تخفيف حدّة الإصابة بهذا المُتحوّر على الأقلّ. وقد أوضحت الاختصاصيّة في جهاز المناعة أليساندرو سيتي من مؤسّسة «لاجولا» للأبحاث المناعيّة في كاليفورنيا، أنّ بعض التجارب الأوّليّة تُظهر وجود تفاعل بين خلايا المناعة T-cells لدى المُلقّحين أو من أُصيبوا من قبل بالكورونا، وبين «أوميكرون».
عام 1918، اجتاحت العالم إنفلونزا شديدة الخطورة، عُرفت بالإنفلونزا الإسبانيّة، وأدت إلى نحو 50 مليون وفاة. مع مرور السنوات، وبعد ثلاث موجات فتّاكة من الوباء، تطوّر هذا الفيروس إلى أشكال أقلّ خطورة أصبحت اليوم من متحوّرات الإنفلونزا التي تُصيبنا بالزكام في الشتاء. يتساءل البعض اليوم إذا كان من الممكن أن يتّخذ وباء كورونا منحىً مُشابهاً على ضوء الدراسات الأوّليّة حول «أوميكرون». ولكنّ الدراسات حول هذا المتحوّر لا تزال مبكرة، وعيّناتها محدودة، ولا يُمكن الوصول إلى هذا الاستنتاج أو المقارنة بعد. إضافةً لذلك، فإنّ تطوّر الفيروسات سيفٌ ذو حدّين، فكما يُمكن أن يظهر مُتحوّرٌ أقلّ خطورة من غيره، يُمكن أن يظهر فجأة مُتحوّر خطر يضع اللقاحات تحت المجهر ويُعيدنا إلى نقطة البداية.
الطموح هو نفسه منذ اليوم الأوّل: الوصول إلى مناعة القطيع والحدّ قدر الإمكان من انتشار الفيروس، ولا يكون ذلك إلّا من خلال الوسائل المُتاحة حتّى الآن، وهي اللقاحات من جهة، والإجراءات الاحترازيّة قدر الإمكان من جهة أُخرى.
المصادر:
Ledford, Heidi. “How Severe Are Omicron Infections?” Nature, vol. 600, no. 7890, 2021, pp. 577–578., https://doi.org/10.1038/d41586-021-03794-8.
Kolata, Gina. “How Pandemics End.” The New York Times, The New York Times, 10 May 2020, https://www.nytimes.com/2020/05/10/health/coronavirus-plague-pandemic-history.html.