لا ينكر أهل الاختصاص أنّ الفضل في نشاط قطاعهم اليوم يعود إلى الحجر المنزلي الذي أعقب انتشار جائحة «كورونا» وترافق مع إقفال الأندية الرياضية والعمل «أونلاين» من المنازل. ازدهار مطاعم الوجبات السريعة، من جهة، وتغيّر نوعية العمل لدى عدد كبير من اللبنانيين، من جهة أخرى، أدّيا إلى كثرة الذين يعانون من البدانة والسمنة الزائدة. فنسبة كبيرة من الموظفين يقضون أكثر من ثلث نهارهم أمام شاشة الكومبيوتر، وحين ينتابهم الجوع غالباً ما يطلبون وجبة سريعة.
وعلى غرار كل القطاعات، فقد استغرب المراجعون في الفترة الأولى لبدء الأزمة الاقتصادية ارتفاع الأسعار، بدءاً من سعر المعاينة، وصولاً إلى الوصفات الغذائية ومتمّماتها التي تحتاج إليها كل حالة. إلا أنهم بعد مدّة قصيرة «تعوّدوا» على الأسعار الجديدة وتغاضوا عن المفاصلة في سبيل الـ«Body Image» (وهي ليست حكراً على النساء، فنسبة المراجعين الرجال تبلغ 40 في المئة، معظمهم يطمحون إلى إزالة «الكرش»).

اليوم، تبلغ كلفة المعاينة نحو 200 ألف ليرة لبنانية (أقل من 10 دولارات)، فيما كانت بمعدّل 50 دولاراً. أمّا المعاينة أونلاين، فقد يتضاعف سعرها للحاجة إلى مجهود أكبر. ويُفرض على المغتربين دفع متابعتهم أونلاين فريش دولار.

في بلد مثل لبنان، ليس مستغرباً أن لا يكون لاختصاصيّي التغذية نقابة إلزامية فاعلة تُنظّم عملهم وتتخذ الإجراءات في حق المخالفين، وهم كُثر. إذ إن المشكلة الأكبر تتمثّل في كثرة من يطلقون على أنفسهم «Dietitian» منذ السنة الثانية على اختيارهم للاختصاص، ليتحوّلوا بعدها «Bloggers» ينشرون مقاطع الفيديو ويسدون النصائح ويصفون الأدوية. بعضهم يسوّق لمنتجات تحت مسمّى «متمّم غذائي»، مقابل بدل مادي، في غياب تام لأي رقابة أو مساءلة قانونية. والمستغرب أن كلفة معاينتهم أونلاين تكون حسب عدد المتابعين!

تلفت رئيسة نقابة اختصاصيّي التغذية كريستال باشي، إلى «أن هناك عدداً كبيراً من اختصاصيّي التغذية يزاولون المهنة من دون شهادات جامعية، لا بل يتحوّلون لاحقاً إلى اختصاصيّي تجميل يحقنون "الفيلر" و"البوتوكس" داخل عياداتهم من أجل الكسب المادي الوفير بعيداً من أي محاسبة». وخطورة ما يحصل تكمن في أن البعض الآخر «يصف الأدوية التي لا تحتاج إلى إبراز وصفة طبّية للصيدلي مثل أدوية السكري (Glucophage) وحقن التنحيف Saxend وLasix الذي يسحب المياه من الجسم ولا يظهر تأثيره على صحة المريض في القريب العاجل، إنما تظهر عوارضه بعد سنوات». تضيف باشي منبّهة: «نحن لسنا مجازين. لا يحق لنا وصف الأدوية من أي نوع كان». وتوضح أن نقصان الوزن ليس معياراً لتصنيف الاختصاصي بـ«الشاطر»، بدليل أن 80 في المئة ممن ينجحون في إنقاص أوزانهم يعاودون كسبها لاحقاً في مدة زمنية قصيرة.

يُفرض على الاختصاصي الخضوع لامتحان الكولوكيوم (باستثناء طلاب الجامعة اللبنانية) لنيل شهادة وإذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة، كذلك التدريب الإلزامي في أحد المستشفيات بعد نيل الإجازة، لمدّة لا تقل عن ستة أشهر. لكن ذلك ليس كافياً بحسب باشي: «لو كانت النقابة إلزامية كنقابة الأطباء مثلاً، لكانت اتخذت الإجراءات القانوينة في حق المخالفين وأوقفتهم عن العمل فوراً. كونها اختيارية، فقد تقتصر إجراءاتها على تقديم الشكاوى إلى القضاء أو إلى النقابات الأخرى التي يعتدي عليها أهل الاختصاص». وتسأل: «كيف يمكن لاختصاصي غذاء وصف المتممات الغذائية ومعرفة حالة المرضى من دون معاينتهم ولو لمرة واحدة؟ قد نتفهّم متابعة الحالات لاحقاً أونلاين، ولكن لا يمكن معالجة أيّ حالة من دون معاينتها ولو لمرة واحدة على يد الاختصاصي، فنحن نقوم بما يسمّى الـ Body Analysis وهذا لا يمكن تحديده إلا عبر بعض معدّات متطوّرة قد يصل ثمن أقل واحدة منها إلى 3000 دولار».