مع قرار رفع الدعم الجزئي عن الأدوية المزمنة، سيكون على المريض المُستفيد من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذا ما أراد التوجه إلى أحد مراكز الضمان لاسترداد الـ85% من قيمة فاتورته الدوائية، أن يدفع كلفة «أجار الطريق» أعلى مما سيستردّه، وفق رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي.في حسبة بسيطة، فإن المريض المضمون الذي يتناول دواء LEVE TAD، مثلاً (كان سعره قبل «الترشيد» 77 ألف ليرة) سيحصّل من الصندوق نحو 65 ألف ليرة، في حين أن سعر الدواء صار اليوم 465 ألف ليرة، أي أن الضمان الاجتماعي «يعترف» له بأقل من 14% من السعر الحالي للدواء.
حتى الآن، لا قدرة للضمان على «تعديل» لائحة أسعار الأدوية التي يغطيها لتضييق الهوّة بينها وبين الأسعار الجديدة، «إذ يغطي الصندوق نحو 400 مليار ليرة من تكاليف الأدوية للمرضى. ومع ارتفاع الأسعار نحو ستة أضعاف، سيتوجب عليه تأمين ما لا يقل عن 2600 مليار ليرة، وهو أمر شبه مستحيل»، وفق عراجي، مذكّراً بأن «الضمان مدين لصندوق نهاية الخدمة بنحو أربعة آلاف مليار، فيما أمواله المستحقة على الدولة لا تزال بعيدة المنال».
وبحسب تقديرات المدير العام للصندوق محمد كركي، تبلغ قيمة هذه الأموال المستحقة نحو 5000 مليار ليرة، مشيراً إلى أن غياب الاعتمادات والأموال يحول حكماً دون تعديل لائحة الأسعار. وفي ذلك، إقرار بعجز الضمان حالياً ليس عن تسديد فواتير الدواء فحسب، بل والفواتير الاستشفائية أيضاً.
الأمر نفسه يؤكده المدير العام لتعاونية موظفي الدولة يحيى خميس لجهة عدم القدرة على تعديل لائحة أسعار الأدوية ما لم تتوافر الاعتمادات. وهو أوضح لـ «الأخبار» أن رفع الدعم الجزئي عن الأدوية لم يكن محضّراً له مُسبقاً، «ولم تُوضع حتى الآن أي آلية لكيفية التعاطي مع الواقع الجديد»، لافتاً إلى أن التعاونية «تعمل على زيادة موازنتها لعام 2022 (...) لكن الأمر يبقى مرتبطاً بتوافر الاعتمادات. إذا لم تتوافر الأموال، فليس بيدنا حيلة».
سيتوجب على الضمان تأمين 2600 مليار ليرة لمواكبة الأسعار الجديدة وهو أمر شبه مستحيل


وكان وزير الصحة فراس الأبيض التقى، أمس، ممثلي الجهات الضامنة، «ورغم أن الأجواء كانت إيجابية لجهة السعي إلى التوصل إلى حل للتعامل مع الكارثة، لكن تبقى العبرة في التنفيذ»، على ما يقول خميس، مشدداً على أن رواتب بعض الموظفين الحاليين والمتقاعدين «بالكاد تكفي ثمناً للأدوية».
الحلّ، في رأي كركي، يجب أن يكون وطنياً بوضع خطط مترابطة بين القطاعات للتعامل مع الواقع المستجد، فـ «مثلاً، كجهة ضامنة مستقلة، علينا أن ننتظر نتائج لجنة المؤشر التي تعقد اليوم لمعرفة إذا ما كان أصحاب العمل سيدفعون الزيادات المفروضة على رواتب الأجراء المصرّح عنهم إلى جانب البحث في اقتراحات كرفع الاشتراكات وغيرها».
يصف عراجي ما يحصل بـ «الدوامة»، ويشدّد كركي على الارتباط الوثيق بين لائحة أسعار الأدوية وتسعيرة المستشفيات وفحصيات الأطباء، «إذ لا يمكننا البحث في تعديل أسعار الأدوية من دون الالتفات إلى الفروقات الاستشفائية الخيالية نتيجة الفارق في التسعير». ففيما عمدت وزارة الصحة إلى رفع سقف تغطية الاستشفاء نحو ثلاث مرات ونصف مرة، لا يزال الضمان على تسعيرته «العتيقة»، ما يُفسّر الانخفاض الكبير في دخول المضمونين المستشفيات. فبحسب أرقام الضمان، تراجع عدد الموافقات الاستشفائية من 360 ألفاً عام 2019 إلى 100 ألف هذا العام حتى أيلول الماضي.
المعنيون في الجهات الضامنة يعتبرون أن الحل يكون عبر النهوض بالقطاع الاستشفائي ككل، وهنا يُشير كركي إلى إمكانية الاستفادة من أموال البنك الدولي «من أجل الاستثمار في القطاع الصحي». فيما بحث اجتماع وزارة الصحة أمس، في السبل التي يمكن اعتمادها «لتخفيف وقع الكارثة على المرضى»، بحسب كركي لافتاً إلى تشكيل لجان للعمل على بروتوكولات مشتركة. ومن الحلول التي تم اقتراحها، الاستعانة بالبنك الدولي وبعض الجهات المانحة لتوفير بعض الأدوية المجانية وتوزيعها على المراكز الصحية الاجتماعية للمستحقين فقط.
والجدير ذكره أن «خيار» توفير الأدوية مجاناً في المراكز الصحية ليس جديداً، «إذ إن الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع اليونيسف يقدم رزمة من الأدوية المجانية لنحو 375 ألف مواطن»، وفق عراجي، لافتاً إلى أن الأبيض يسعى إلى رفع عدد المُستفيدين إلى 700 ألف.
لكن، «هنا نعود إلى معضلة تحديد الفئة المستحقة وكيفية ضبط إدارة المراكز الصحية»، وفق مصادر مطلعة على ملف الدواء، مشيرة إلى أن مشاريع عدة موجودة في أدراج وزارة الصحة يمكن أن تشكّل فرصة لإصلاح جذري كالبطاقة الدوائية وغيرها. برأي المصادر، «البحث في هذه الحلول أولى من الانشغال في ترقيع الكارثة».