تتشارك جيوب الفقر اللبنانية والمخيمات الفلسطينية والتجمّعات السورية في قوة الشعور بندرة فرص العمل، وتعزو كل مجموعة هذا الواقع إلى وجود المجموعة الأخرى وسلوكها. وتؤدي العلاقات الاجتماعية دوراً في توفير الفرص أو إعاقتها، على حساب العلاقات الاقتصادية (العرض والطلب). ويسيطر على الشباب في المناطق المهمّشة إدراك قوي بسيادة التعسّف، وبعدم وجود قانون يحميهم ويعطيهم حقوقهم، إلا الفلسطينيين، باعتبار أن القانون هو الذي يمنعهم من العمل في مجالات معينة.هذه بعض النتائج الأولية للدراسة - المقارنة التي تعدها الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية بإشراف الباحث عدنان الأمين، بالشراكة مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد نظّمت الهيئة في هذا الإطار حلقة دراسية أولى، عبر الويب، بعنوان «الشباب أمام قلّة فرص العمل والمحسوبّية والتمييز».
الأمين عرض لملامح الدراسة، التي أُجريت صيف 2019 في 30 منطقة مهمّشة في لبنان وبلغ عدد الشباب المشاركين فيها 1166 رَاوحت أعمارهم بين 15 و25 عاماً.
الدراسة الاستقصائية الميدانية انطلقت من سؤال أساسي، وهو كيفيّة تعامل الشباب اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في المناطق المهمّشة في لبنان مع واقعهم ومجتمعاتهم. وبينت أن هؤلاء ينسبون أحوالهم السيئة إلى مصادر مغلوطة، كأن يعزو الشباب اللبنانيون عدم توافر العمل إلى سرقة العمالة السورية أو الفلسطينية (بدرجة أقل) الأعمال منهم، فيما يغيب وعي هؤلاء للأسباب الحقيقية من سياسية واقتصادية وغياب قانون العمل.
الدراسة أظهرت أيضاً أن قضايا العمل فيها قدر كبير من الشأن الاجتماعي أكثر من العامل الاقتصادي. إذ أن المرجعية الاجتماعية مثلاً هي التي تمنع الإناث من العمل، خصوصاً في التجمعات السورية. و«تتخذ هذه المرجعية طابعاً سياسياً (طائفة، حزب) عند اللبنانيين. كما تلعب دوراً ضابطاً لردود فعل الشباب تجاه العلاقة السيئة مع أرباب العمل وتحلّ العلاقات الأبوية محل العلاقات الجمعية فيما لا توجد احتجاجات عمالية»، بحسب الأمين.
ميول بين الشباب لتقبّل الوضع القائم والعيش في التهميش!


أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، مايرز يونس، أشارت إلى أنّ الشباب اللبنانيين تحدّثوا عن المناخ السلبي للعمل الذي يتجسّد في ستّ صور هي: الاستغلال والإهانة والتجريح والتسلّط والتمييز والتعسّف، وهم يتفاعلون مع هذه المُعاملة بطرقٍ ثلاث: العنف وترك العمل أو الرضوخ. كذلك أشاروا إلى أن اللبناني يتعايش مع «الواسطة» باعتبارها عاملاً مساعداً أمام «المدعوم» سياسياً للحصول على عمل، وعائقاً أمام الشباب المستقلّ. أما «الفرص الحقيقية» فغير موجودة في لبنان. ولفتت يونس إلى أن أكثر من نصف الشباب لا يبحثون عن عمل إما بسبب استكمال التعليم وصغر سنهم وعدم استقلاليتهم عن الأهل، أو بسبب يأسهم من إيجاد عمل. وهم يعتمدون على مصادر شفهية في تكوين صورتهم عن سوق العمل المحلي.
«التمييز وانتهاك حقوق العامل الفلسطيني بسبب قانون العمل اللبناني هما أحد أبرز الأسباب في ندرة فرص العمل أمام الشاب الفلسطيني»، بحسب عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة سيدة اللويزة، كمال أبو شديد. وبناءً عليه، يستبعد من خياراته المهنية المهن التي لا يسمح بها القانون مثل الهندسة والطب والمحاسبة، ويعتمد على مهن مسموحة مثل العمل في الألومينيوم، النجارة، الكهرباء والحدادة وهي مهن تضعهم في أدنى السلم الاجتماعي. يتشابك هذا العامل مع عوامل داخلية تقودها العادات والتقاليد الاجتماعية التي تميز ضد تلقّف فرص العمل خصوصاً لدى الفتيات. وتسجل الدراسة ميول الشباب إلى تقبل الوضع القائم والعيش في التهميش، رغم حالات التمرد التي تحصل بين الحين والآخر ضد الوضع القائم.
الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، غادة جوني، تناولت الحياة المهنيّة عند الشباب في التجمّعات السورية، وما يعانون من مُمارسات تمييزيّة في البلد المُضيف على المستويات: التشريعيّة والقانونيّة والاجتماعيّة، إذ يخوض هؤلاء معارك يوميّة مع العنصريّة والتمييز، وقد أصبحوا مجرّد عمّال موسميين منخفضي الأجور، ومحرومين من الحقوق والتأمينات والضمانات، ويتمّ استغلالهم والتحرّش بهم في ظلّ غياب أي حماية أو مرجعيّة. إلى ذلك، يعاني السوريون من تدني الأجور، عدم إيفائها، صعوبة شروطها، عدم قدرتهم على تحمّل الأعمال المتاحة (مناشر، مقالع وهي تشهد منافسة شديدة) وعدم توفر المؤهلات (إتقان اللغة الأجنبية، مستوى التحصيل العلمي وشرط الخبرة).
أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية جاد شعبان شدّد على أهميّة أن تُجري الدراسة مقارنة بين عوامل الجنسيّة ومكان الإقامة ومكان العمل والعامل الزمني إضافة إلى المُقارنة مع فئات أخرى في المُجتمع مثل العمّال الأجانب والأشخاص الأكبر سنًّا. ولفت إلى أن ثمة طغياناً للنظرة السلبيّة تجاه الشباب في المناطق المهمّشة، ولا سيما اللاجئين السوريين، ويجري تجاهل مواهبهم وإبداعاتهم.
وانتقد شعبان استخدام مصطلح «سبل العيش بشكل مرن»، إذ «أننا كمواطنين ومعنيين بالأبحاث لا نطالب بالعيش في حياة مرنة (resilient)، إنّما نريد أن نقضي على الفقر والتهميش وخلق حلول فعّالة وضمان الحق للعمّال المقيمين جميعاً والشباب خصوصاً وتأمين شبكات دعم للحراك الاجتماعي (social mobility) والانتقال من وضع الاعتماد على اللّاشيء والمرونة إلى تحفيز الشباب في المناطق المهمّشة على الارتقاء».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا