أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية أن التجارب السريرية لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا عبر استخدام الـ«كلوروكين» ستشمل مستشفيات عدة في فرنسا بعد النتائج المشجعة التي تم التوصل اليها حتى الآن. ولا شك في أن نجاح التجارب السريرية التي تمت تحت اشراف مدير معهد المتوسط للالتهابات في مارسيليا، البروفيسور ديدييه راوولت، والتي استخدم خلالها علاج مخصص للملاريا، يفسر هذا التغيير في موقف السلطات الصحية الفرنسية. فقد سبق لهذه الأخيرة أن أعربت عن شكوكها، في تغريدة لوزارة الصحة الفرنسية في 27 شباط الماضي، في «مدى فعالية الكلوروكين في مكافحة الالتهاب الذي يسببه فيروس كورونا عند الانسان، والتي لم تثبتها أية دراسة جدية منشورة في أي من الدوريات العلمية الدولية».

معهد مارسيليا الذي يعمل على انتاج علاجات للعدوى البكتيرية مستخدما الـ«هيدروكسيكلوروكين»، وهي جزيء مماثل للـ«كلوروكين»، قام ببساطة بملاءمة حجم الجرعات المطلوبة لعلاج عدوى الـ«كورونا». وبعدما عالج لمدة 25 عاما حوالي 4000 شخص بالـ«هيدروكسيكلوروكين»، اقترح البروفيسور راوولت هذا العلاج، بموافقة السلطات الطبية، على 24 مريضاً تطوعوا لتناول جرعة 600 مغ يوميا من «بلاكينيل»، وهو الاسم التجاري للدواء الذي يحتوي على الجزيء المذكور. ولاحظ بعد اليوم السادس، أن 25% فقط من المرضى بقوا حاملين للفيروس، مقابل 90% ممن لم يتلقوا علاجاً. هذا الاكتشاف يعود لتجربة هذا العالم المتخصص بمكافحة الفيروسات وللأبحاث والتجارب المخبرية والسريرية للعلماء الصينيين. وقد أوصى راوولت منذ سنوات باستخدام مضادات حيوية لمعالجة التهابات مجرى التنفس الجرثومية التي تتحول الى التهاب رئوي، وأظهر الـ«هيدروكسيكلوروكين» فعاليته في التجارب المخبرية ضد انواع عدة من الفيروسات. غير أن الدراسة التي أعدها ثلاثة علماء صينيين، والتي نشرت في دورية «بيوسيانس تراند» العلمية في 19 شباط الماضي، عززت القناعة بفعالية جزيء الـ«كلوروكين» في علاج الالتهابات الرئوية المرتبطة بفيروس «كورونا». وقد استندت الى نتائج اختبارات سريرية في أكثر من 10 مستشفيات صينية في ووهان وبكين وشانغهاي. ولم يؤدّ ذلك حتى اللحظة الى اجماع بين خبراء الالتهابات لأن بعضهم ما زال يعتقد أن هذا العلاج خطر. آستريد فابري، الخبيرة المتخصصة بفيروس «كورونا»، قالت إن الـ«كلوروكين» قد يسبب أضرارا لشبكية العين تصل الى حد اصابتها بالعمى. لكن البروفيسور راوولت يشير الى أن هذا الأثر الضار قد ينجم عن علاج يدوم لسنوات عدة وليس لمدة لا تتجاوز عشرة أيام كما هي الحال مع حاملي فيروس «كورونا».
الاستراتيجية الوحيدة التي أثبتت حتى اليوم فعاليتها في مواجهة الفيروس هي تلك المستندة الى اجراء فحوص واسعة النطاق ومعالجة حاملي الفايروس بالـ«هيدروكسيكلوروكين». إذ أن الحجر يحد من تفشي «كورونا»، لكنه لا يحل مشكلة حاملي الفيروس الذين سيعانون من التهابات رئوية.
من جهة أخرى، كشفت دراسة أعدها علماء صينيون على 191 مصابا بالفيروس، ونشرت على موقع مجلة «ذي لانسيت» العلمية المعروفة، أنه في حال غياب العلاج، فان معدل النقل الفيروسي هو 20 يوما لا 14. واللافت أن أسابيع عدة مرت قبل أن تؤخذ تصريحات راوولت على محمل الجد من قبل المسؤولين الفرنسيين ووسائل الاعلام رغم كفاءته المعترف بها عالميا. إذ وُصفت مداخلاته بـ«الأخبار الكاذبة» على موقع وزارة الصحة الذي نشر لمدة 36 ساعة رسالة تحذيرية منها. وهذا يثبت، برأي البروفيسور، عجز الفرنسيين عن الاعتراف بكفاءة وجدارة العلماء الصينيين رغم أن بعضهم بين الأفضل في العالم. وهو مقتنع بأن الدول الأوروبية بشكل عام ما زالت في حالة انكار تجاه حقيقة أن الحيوية العلمية والتكنولوجية باتت في آسيا، وأن دولا كالصين وكوريا الجنوبية وتايوان تقدم نموذجا لبقية العالم حول كيفية ادارة أزمة صحية غير مسبوقة في العقود الماضية.
وقد أدت تجارب راوولت المشجعة الى اعلان مختبر «سانوفي» استعداده لتأمين كميات كبيرة من دواء «بلاكينيل» المضاد للملاريا لعلاج حوالي 300 ألف مصاب بالـ«كورونا».