بعد 19 عاما على أزمة تعاونيات لبنان (coop)، ناقشت اللجان النيابية المُشتركة، الخميس الماضي، مشروع القانون المتعلّق بإعطاء وزارة المالية سلفة لتعويض أصحاب الحقوق المتوجّبة على «الجمعية التعاونية الإستهلاكية والإنتاجية في لبنان»، وشكّلت لجنة فرعية من وزارتي المال والزراعة منحت مهلة شهرين للإنتهاء من الآلية التي ستعتمد لتنفيذ القانون.

وفق رئيس لجنة المودعين والمساهمين في تعاونيات لبنان محمد قاسم، يُقدّر عدد المُتضرّرين المباشرين من الأزمة بنحو ستة آلاف، ألفان منهم يملكون في التعاونيات فوق الـ20 مليون ليرة ويصل حجم الأموال المستحقة لبعضهم إلى 900 مليون ليرة.
مناقشة اللجان لمشروع القانون تأتي بعد سنوات من المطالبات رافقتها اضرابات واحتجاجات نفّذها المُساهمون والمودعون من أصحاب الحقوق الذين وظّفوا، قبل عام 2000، أموالهم في التعاونيات التي كان حجم مبيعاتها يفوق الـ154 مليون دولار سنوياً آنذاك، فيما كان مخزونها السلعي يُقدّر بـ 66 مليار ليرة (42 مليون دولار).
يأمل قاسم أنّ تشكل تترجم هذه الخطوة التي «أتت متأخرة جدا» واقعاً للتعويض على اصحاب الحقوق، لافتا الى أنه خلال تلك السنوات «توفي نحو 150 مساهماً من العوز والفقر فيما لهم اموال مستحقة على الدولة التي تواطأت ضدّ مصالحهم».

مؤامرة الإفلاس
في بداية السبعينيات، أسّس منير فرغل «الجمعية التعاونية الإستهلاكية والإنتاجية في لبنان» التي هدفت الى تأسيس تعاونية استهلاكية توفّر مواد غذائية بأسعار مدعومة وبأكلاف أقل من تلك التي تُباع في الأسواق. اتّخذت الجمعية آنذاك من منطقة صبراً مقراً رئيسيا للتعاونية الإستهلاكية، قبل أن تتوسّع وتفتتح فروعاً في مختلف المناطق اللبنانية وصل عددها إلى 48 وعمل فيها 1400 موظف.
يروي قاسم لـ «الأخبار» أنه قبل الأزمة، قرّر مجلس إدارة الجمعية قبول إيداعات نقدية بفوائد أعلى من تلك التي كانت تمنحها البنوك بنسبة 1%، ما أدّى إلى استقطاب نحو 38 مليون دولار، وأثار استياء المؤسسات التجارية المنافسة التي بدأت تستشعر خطر المنافسة فبدأت تعمل على تطويقها. أما السبب الرئيس الذي ساهم في تدمير هذه التعاونيات فيعود الى «رغبة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري باخضاع هذه التعاونيات لسلطته بعد إقدام فرغل وقتها على الترشح للانتخابات في وجهه»، وفق ما يؤكد قاسم. فكيف تم هذا الإخضاع؟
آنذاك، عمدت إحدى الصحف المحسوبة على فريق الحريري إلى عنونة صفحتها الاولى بخبر إفلاس التعاونيات، تلتها تقارير تلفزيونية على احدى القنوات الاعلامية التابعة للخط السياسي نفسه تؤكد الإفلاس من دون وجود معطيات تؤكد ذلك. أدى هذا، خلال أقل من شهر، الى تهافت المودعين لسحب أموالهم. وتبعه ذلك قرار مفاجئ للمدير العام للتعاونيات في وزارة الزراعة آنذاك جوزف طربيه بحلّ مجلس إدارة التعاونيات وتعيين لجنة مؤقتة لإدارتها. واقتحمت القوى الأمنية مقر التعاونية الرئيسي في صبرا و اعتقلت فرغل ونائبه!

نهب المخزون الإستهلاكي
لم تُشرِك اللجنة التي عينها طربيه مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية في أي إجراء اتخذته لإدارة التعاونيات. وعمدت، على مدى 6 أشهر، إلى «استباحة» التعاونيات، ووضعت يدها على المخزون الاستهلاكي ولم تقدم على اجراء عمليات كشف حسابي. يوضح قاسم أنه بعد فترة الستة اشهر، أقرّت اللجنة بوجود ستة مليارات ليرة فقط من المخزون الاستهلاكي الذي كان يقدّر بـ 66 ملياراً، وانخفض عدد الفروع 50% بين عامي 2000 و2008 الى 24 فرعاً. ولفت قاسم الى أنّ اللجنة المؤقتة تنازلت عن فرع بلغت كلفة تجهيزه آنذاك 980 ألف دولار، وجيّرت بعض الفروع لمصلحة مؤسسات تجارية اخرى.

التعويضات ستؤمن من بيع عقارات التعاونيات فما هو مصير الأموال الفائضة؟


بعد انتهاء عمل اللجنة، عُيّنت لجان مؤقتة أخرى توالت على إدارة التعاونيات من دون أن يُسمح للجمعية العمومية التي تضم المساهمين والمودعين بالانعقاد لاختيار مجلس إدارة جديد. وفي 29/11/2011، صدر المرسوم رقم 6986 لتعيين لجنة مؤقتة لادارة التعاونيات مؤلفة من 7 أعضاء تقاسمتهم المرجعيات السياسية. وهذه اللجنة لا تزال قائمة حتى الآن، ويتقاضى أعضاؤها اتعاباً من الدولة اللبنانية، علما أن تشغيل التعاونيات أوكل إلى شركة أخرى.

من يُشغّل التعاونيات حاليا؟
بعد تلك الفوضى، أوكلت مهمة تشغيل التعاونيات عام 2000 إلى «الشركة المتحدة» (يملكها وليد شحادة) التي كانت قد تأسست حديثاً آنذاك (برأسمال مقدر بـ 5 ملايين ليرة) بموجب عقد لمدة 20 عاماً. والمفارقة أن العقد أُعطي لـ«المتحدة»، فيما رُفض عرض قدّمته شركة فرنسية بتوظيف 110 ملايين دولار لتشغيل التعاونيات على ان تتقاضى 5% من الأرباح!
والجدير ذكره أن شحادة هو يملك حالياً مؤسسة «المخازن الكبرى» التي تبيع مواد استهلاكية في تضارب واضح للمصالح. وتتخوف مصادر متابعة للملف من أن يكون الرهان حالياً تجديد عقد «الشركة المتحدة» الذي ينتهي العام المقبل، ما يعني الى القضاء نهائيا على تعاونيات لبنان التي تتراوح قيمة مبيعاتها سنويا بين 60 و80 مليون دولار رغم الازمة التي ألمّت بها.

من أين ستدفع الأموال؟
نصّ القانون رقم 109 الصادر في 26 حزيران عام 2010 على إعطاء وزارة المالية سلفة لتعويض أصحاب الحقوق المتوجبة على الجمعية التعاونية الإستهلاكية والإنتاجية في لبنان. وحدّدت المادة الاولى منه قيمة السلفة بـ 75 مليار ليرة (50 مليون دولار) توزع مناصفة بين الدائنين والمُساهمين بموجب تسوية تعقد بين الطرفين. إلا أن القانون نفسه تضمّن مادة مدسوسة (المادة رقم 3) تحول دون تطبيقه. إذ نصّت على سقوط التسوية في حال تمنّع دائن واحد عن التوقيع عليها، أم في حال تمنّع مساهم عن التوقيع فيسقط حقه بالتسوية!
بعد مساع بذلتها لجنة المساهمين والمودعين تم اقرار المرسوم 10288 لتعديل هذا القانون بشكل يحفظ حقوق الدائنين والمساهمين بالمناصفة من دون عراقيل، وهو نفسه مشروع القانون الذي تدرسه اللجان المشتركة حاليا. وبحسب ما صرّح نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، عقب الجلسة، فإنّ الأموال التي ستُدفع لأصحاب الحقوق ستؤمّن من بيع عقارات تملكها التعاونيات. علماً أن هذه العقارات خُمنت قيمتها عام بنحو 125 مليون دولار، وفق قاسم، أي بزيادة 75 مليون دولار عن السلفة. فما هو مصير الاموال الفائضة في حال بقي التخمين المقدر ساريا حتى اليوم، إن لم يكن قد زاد على ذلك؟