«ممنوع دخول السوريين إلى الحديقة». هذا ما قاله أحد عناصر حرس بلدية بيروت لامرأة سورية كانت تُلاعب طفلها، أول من أمس، في حديقة اليسوعية في الأشرفية في بيروت، قبل أن يقودها إلى المخرج ويطلب منها المغادرة! يقول أحد روّاد الحديقة الذي كان حاضراً إن «منظر» الحجاب الذي كانت ترتديه «هال» العُنصر الذي «استنفر» وطلب منها المُغادرة مع طفلها فوراً. ولدى سؤاله عن السبب، قال أولاً إن دخول «الأجانب» محظور. وعندما لفتته امرأة أخرى «غير مُحجّبة» إلى أن هناك فرنسيتين ترتادان الحديقة نفسها مع أطفالهما، لاحظ أن لهجتها سورية، فطلب منها المغادرة هي أيضاً، لأن القرار «يشمل السوريين فقط»!
عناصر حرس الحديقة قالوا إنّهم يُنفّذون أوامر مُحافظ المدينة القاضي زياد شبيب(مروان طحطح)

عناصر حرس الحديقة قالوا إنّهم يُنفّذون أوامر مُحافظ المدينة القاضي زياد شبيب، فيما استغرب الأخير القرار لدى اتصال أحد سكان المنطقة به، مستنكراً هذه العُنصرية، نافياً أن يكون على علم به، أو أن تكون له أي علاقة بالأمر.
مصدر قانوني أكّد لـ«الأخبار» أنّ عناصر حرس بلدية بيروت، كبقية موظفي البلدية، يتبعون للسلطة التنفيذية لبلدية بيروت التي يرأسها محافظ المدينة، لافتاً إلى عدم إمكانية اتخاذ قرار مماثل من دون الرجوع إليه، «إلّا إذا كان الضابط المسؤول قد ارتأى من تلقاء نفسه اتخاذ قرار استنسابي كهذا». ولفت المصدر إلى أنّ هناك حالات استثنائية يُسمح فيها للضابط باتخاذ قرارات «تلقائية» إن طرأ خطر على مصالح الإدارة، «إلا أن قرار منع دخول حاملي جنسيات معينة إلى الحدائق لا علاقة له بالحفاظ على مصالح الإدارة».
وسواء أكان هذا القرار المقيت قد أتى بـ «رعاية» محافظ المدينة، أم نتيجة «مزاج» أحد الضباط و«إبداعه» لإرضاء توجّهات بعض سكان المنطقة ممن هلّلوا له، إلا أنه ينسجم وممارسات عدة اتّسمت بالعُنصرية والطبقية أقدمت عليها بلدية بيروت، خصوصاً في إدارتها لملف الحدائق العامة. إذ بدا في كثير من الأحيان أن البلدية تكرّس سياسة تحويل هذه الحدائق إلى «جزر» منعزلة يرتادها فقط من «ترضى» عنهم البلدية. ومن ذلك، منعها بعض الفئات الاجتماعية من الفقراء اللبنانيين ومن السوريين والفلسطينيين من ارتياد حرج بيروت خلال فترة إغلاقه التي امتدّت بين عامي 2005 و2016. فخلال هذه الفترة، كان يُسمح للأجانب فقط من حملة الجوازات الأوروبية والأميركية والخليجية بالدخول إلى الحرج، بذريعة أن هؤلاء «لن يؤذوا الحرج» كما تفعل بقية الفئات، بحسب ما أبلغ حارس بلدي إحدى الناشطات التي ادّعت أنها أجنبية.
العنصرية المقيتة التي يُرسيها القرار، يتحمّل مسؤوليتها أولاً وأخيراً المحافظ شبيب، بصرف النظر عمّا إذا كان على علم به أو لا. وإضافة إلى التحقيق في القرار العنصري لتحديد المسؤوليات، فإن الأمر يفترض منه متابعة حثيثة لرؤية بلدية بيروت لإدارة الأماكن والمجالات العامة. إذ لا يمكن هذه السُلطة الإدارية الاستجابة لـ«مزاج» يتنافى ومفهوم الملك العام بوصفه المجال الأبرز المفتوح للتلاقي والتفاعل. كذلك على بعض نواب الأشرفية ممن رفعوا في الأيام الماضية أصواتهم تضامناً مع النازحين السوريين أن يواجهوا هذا المزاج العنصري والانعزالي وغير الإنساني، إلا إذا كانوا ممن يُزكّون مثل هذا المزاج في السرّ.