جدّدت إيران تأكيد استعدادها لمساعدة لبنان في مجال إنتاج الطاقة الكهربائيّة وتوليدها، وتطوير هذا القطاع المتعثّر منذ عقود. يأتي ذلك بالتزامن مع إطلاق مسارين: الأوّل سلوك عمليّة الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني سكّة التنفيذ. والثاني انطلاق مسيرة إعادة الإعمار في سوريا، حيث الأولويّة هي للتعامل مع «الدول الحليفة»، إذ وقّعت الدولة السوريّة عقوداً مع روسيا وإيران للاستثمار في قطاعات الاتصالات والطاقة والمقاولات، وفي حقول الفوسفات.
الرغبة بمساعدة لبنان في مجال الطاقة عبّر عنها معاون وزير الطاقة الإيراني للشؤون الدولية، علي رضا دائمي، أمام وفد إعلامي لبناني زار طهران بدعوة من السفارة الإيرانيّة في بيروت، وجال خلالها على معامل توليد الطاقة. ويقول دائمي إن «أحد المشاريع المهمّة لإيران هو نقل الكهرباء إلى العراق وسوريا، ومنها إلى لبنان بأرخص الأسعار عالمياً. لبنان يحتاج إلى 4 آلاف ميغاواط، وهو ما يمكننا توفيره خلال 3 أشهر (ثمة توربينات جاهزة ولا تحتاج سوى الى التركيب). فنحن ننظر إلى قطاعَي الكهرباء والماء باعتبارهما مساعدات اجتماعيّة وتنمويّة حصراً. والظروف في لبنان ليست أصعب من الدول التي أنشأنا فيها محطات لتوليد الطاقة». ويتابع دائمي: «سنقدّم اقتراحاتنا لتوسيع العلاقات الثنائيّة في المجالات الفنيّة والعلميّة والبحثيّة التي تهدف إلى تطوير الجانب المعيشي في لبنان، وذلك خلال الزيارة المُرتقبة لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة لإيران، وخلال زيارة النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة الإيرانيّة إسحق جهانغيزي للبنان».

عروض أمام حائط مسدود!

هذه ليست المرّة الأولى التي تُعرب فيها إيران عن استعدادها للاستثمار في قطاع الكهرباء اللبناني، لحلّ مشكلة العجز في إنتاج الطاقة. فعام 2009 وجّهت وزارة الطاقة الإيرانيّة إلى نظيرتها اللبنانيّة أول رسالة مكتوبة في هذا الإطار، إلّا أن الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار حال دون الاستفادة من هذا العرض. تقول مصادر متابعة للملف لـ«الأخبار» إن «سوق الاستثمارات في لبنان مُحتكرة بمعظمها من السعوديّة ومن يدور في فلكها. ونتيجة للخلافات السياسيّة في وقتها، كان هناك صعوبة في تبني العرض الإيراني القاضي بتوفير الطاقة الكهربائيّة التي تعدُّ من أهم العوامل الحيويّة لإحياء الاقتصاد اللبناني وتسهيل الأعمال فيه». العرض الثاني قدّم في عام 2010، خلال زيارات رسميّة متبادلة بين إيران ولبنان، إلّا أن الفساد المُطبق على النظام اللبناني «نفّر» الإيرانيين وحال دون إتمام أي صفقة. وتضيف المصادر: «عرض رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة أحمدي نجاد استثمارات عدّة في لبنان، بمليارات الدولارات، لكن أحد الأطراف اللبنانيّة المُتابعة لهذا الملف، اشترطت لقبول هذه الاعتمادات أن تنفّذ الأعمال من خلال شركات تختارها بنفسها، وليس من خلال الشركات الإيرانيّة، وهو ما يشكّل مدخلاً للسمسرات على الطريقة اللبنانيّة». عرض آخر تلقاه لبنان كان يقضي بتوليد الكهرباء بواسطة الغاز عبر مدّ خطّ أنابيب من إيران مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، إلّا أن اندلاع الحرب السوريّة في عام 2011، عرقل تحقيق هذا المشروع.

أهمّية لبنان بالنسبة إلى إيران

في الواقع، تسعى إيران للدخول إلى لبنان منذ التسعينيات، فبعد الحرب اللبنانيّة وخلال فترة إعادة الإعمار، عرضت تقديم اعتمادات تطاول قطاعات مختلفة، إلّا أنها فشلت في تنفيذ مشاريع فعليّة، نظراً إلى القرار السياسي المتأثر بالسياسة السعوديّة ــ الأميركية.
وبعيداً من الأبعاد الإنسانيّة والثقافيّة، هناك أبعاد استراتيجيّة واقتصاديّة وراء هذا الاهتمام بلبنان، الذي يعدُّ سوقاً صغيرا مقارنةً بحجم استثمارات إيران في دول أخرى، وتتمحور بمعظمها حول عمليّة إعادة إعمار سوريا التي قدّر البنك الدولي كلفتها بنحو 200 مليار دولار، سيكون للشركات الروسيّة والإيرانيّة والصينيّة الحصّة الأكبر فيها. تتوافر في لبنان مجموعة تشكّل دعامة أساسيّة في عمليّة إعادة إعمار سوريا، وهي: 1ــ موقعه على البحر الأبيض المتوسط وإمكانية الاستفادة من مرافئه (بيروت وطرابلس) لنقل البضائع إلى الداخل السوري. 2ــ إمكانيّة تحويله إلى محطّة للدول والشركات الأجنبيّة الراغبة في الدخول بعمليّة إعادة الإعمار نظراً إلى قوانينه التي تقدّم تسهيلات للشركات الأجنبيّة. 3ــ الاستفادة من قطاعه المصرفي واقتصاده الحرّ في إعادة الإعمار، خصوصاً أن القطاع المصرفي الإيراني لا يزال يعاني من تأثير العقوبات.

العرض الإيراني للبنان

يقول معاون وزير الطاقة للشؤون الخارجيّة علي رضا دائمي، إن «من الأفضل للبنان أن يستفيد من كلّ الطاقات الموجودة فيه»، فيما يؤكّد مهندسون في وزارة الطاقة الإيرانيّة أن «الاعتماد على الغاز مصدراً أساسياً لتوليد الطاقة قد يكون الأوفر في الحالة اللبنانيّة، مقارنةً بالمصادر الأخرى، نظراً إلى قربه من البحر حيث ستنشط عمليات التنقيب عن الغاز، او استيراده».

ثمة أبعاد استراتيجيّة
للاهتمام بلبنان الذي يعدُّ سوقاً
صغيرة مقارنةً باستثمارات
إيران في دول أخرى

وبحسب دائمي «يمكن شركة «مابنا» (Mapna) الإيرانية، المُصنّفة من ضمن الشركات المقبولة في وزارة الطاقة اللبنانيّة، التي سبق أن وضعت دراسات حول إنتاج الطاقة في لبنان وتنمية محطات الإنتاج الموجودة، أن تنشئ محطّات لتوليد الطاقة وتصنيع توربينات غازيّة، وتطوير حقول لإنتاج الطاقة من الرياح، أو حتى إنشاء معامل لتحويل النفايات إلى طاقة، بالكلفة الأقل عالمياً، لكوننا نعتمد على العامل المحلي والتقنيات والصناعات المطوّرة محلياً».
يشار إلى أن شركة «مابنا» تنتج 50 ألف ميغاواط، أي ما يوازي 66.7% من إجمالي الطاقة المُنتجة في إيران، نحو 60% بواسطة الغاز، و30% بواسطة البخار، و10% بواسطة المياه. وهي بدأت منذ أربع سنوات بتطوير حقول إنتاج الطاقة من الرياح، التي تشكّل نحو 2.25% من إجمالي الطاقة المُنتجة في إيران (والتي تبلغ نحو 75 ألف ميغاواط). وهي تملك نحو 41 شركة فرعيّة تابعة لها، تعمل في مجال إنشاء المحطّات الحراريّة وتطويرها، والتنقيب عن النفط والغاز، وسكك الحديد.
جال الوفد اللبناني على مجموعة من المعامل لتوليد الطاقة الكهربائيّة من مصادر مختلفة. في ما يأتي لمحة عنها:

تحويل الرياح إلى كهرباء

تركّز إيران راهناً على إنتاج الكهرباء من الطاقة المُتجدّدة، وثمة فورة مشاريع في هذا الإطار، تستحوذ «مابنا» على النسبة الأكبر منها. يُعدُّ معمل كاهاك التي بنته الشركة قبل أربع سنوات، الأوّل من نوعه في إيران لإنتاج الطاقة من الرياح، بقوة 55 ميغاواط، وهناك خطّة لرفعه قدرته إلى 100 ميغاواط خلال عام، فضلاً عن بناء حقل على الطاقة الشمسيّة.
وتملك الشركة 3 مزارع هوائيّة في إيران، تحتوي على 22 توربين بقوة 4.5 ميغاواط لكل منها. وهذه التوربينات مصنّعة محلياً بالكامل، بعد أن استعانت الشركة بالخبرات الألمانيّة لتطوير صناعتها. وتعدّ إيران البلد الوحيد في المنطقة الذي يصنّع هذه التوربينات بكافة أجزائها. وتستعد الشركة لتطوير حقول مماثلة في كل من العراق (1) وسوريا (2) بعد أن أجرت الدراسات الأوليّة.

مدينة النفايات

أنشأت شركة TTS في عام 2015 معملاً لتوليد الطاقة من النفايات، أو محرقة، يعمل وفق تقنية التغويز (GASIFICATION) على مساحة 3 هكتارات. وهو يعدُّ من المواقع الأساسيّة لإدارة النفايات في العاصمة التي تنتج يومياً نحو 7 آلاف طن، بحيث تفرز المواد العضويّة وتُحوّل إلى أسمدة زراعيّة، وترمى النفايات الباقية في مستودع الحرق على مدار الساعة، لإنتاج الكهرباء. تقدّر كلفة المنشأة بنحو 25 مليون دولار، فيما تبلغ كلفة معالجة طن النفايات في طهران نحو 17ــ 19 دولاراً أميركياً.

معامل ثنائيّة التشغيل

أنشأت الحكومة الإيرانيّة قبل أكثر من 20 عاماً معمل الشهيد رجائي لتوليد الطاقة في منطقة قزوين، الذي يعمل وفق تقنية ثنائيّة التشغيل تقوم على الغاز والبخار. يتألف المعمل من قسمين: الأوّل يعمل على البخار ومؤلّف من 4 أقسام بخاريّة بقوة 250 ميغاواط لكل منها. والثاني ذو تشغيل ثنائي مؤلّف من 6 أقسام تعمل على الغاز بقدرة 123 ميغاواط لكلّ منها، و3 أقسام تعمل على البخار بقدرة 100 ميغاواط لكلّ منها. ينتج المعمل نحو 2040 ميغاواط كقدرة إجماليّة.
أنشئت الأقسام البخاريّة بعد الثورة الإيرانيّة وبقدرات إيرانيّة محض دون تدخل الشركات الأجنبيّة، طوّرت شركة Mapna التقنيات المستعملة وآليات التصنيع والتركيب بفعل العقوبات الاقتصاديّة، وهو ما أدّى إلى اكتساب خبرة سمحت بتوقيع عقود في عُمان والعراق. ولدى الشركة مشاريع مختلفة في سوريا، من ضمنها إنشاء محطات في بانياس وحلب وحمص.




الاكتفاء الذاتي

نجحت إيران في كسر العقوبات المفروضة عليها، عبر تطوير إمكاناتها الذاتيّة في الصناعة والتكنولوجيا، وقد انعكس ذلك على قطاع الطاقة فيها، إذ حققت اكتفاءً ذاتياً وزوّدت كلّ المناطق والمدن الإيرانيّة بحاجتها من الطاقة الكهربائيّة بنحو متواصل، فيما نجحت بتصدير الفائض إلى الدول المجاورة، إذ باتت تحتل المرتبة 14 عالمياً في إنتاج الطاقة، نظراً إلى قدرتها على بناء أنظمة كاملة لكل المحطات توليد ونقل الكهرباء.
تنتج إيران اليوم نحو 75 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائيّة من مصادر منوّعة، ونحو ألف ميغاواط من الطاقة النوويّة. يرتفع الطلب على الطاقة فيها بنسبة 7% سنوياً، ولديها عقود لإنتاج الكهرباء وبناء المحطّات مع كلّ الدول المحيطة، كذلك تتعامل مع دول أوروبيّة للاستفادة من خبراتها في مجال الطاقة الحراريّة، وتعدُّ من الدول العشر الأُوَل في بناء المحطّات الغازيّة، وهي تركّز راهناً على مشاريع الطاقة المتجدّدة، ووضعت خطّة خمسيّة لإنتاج نحو 5 آلاف ميغاواط من الطاقة الشمسيّة، نفّذت ألفاً منها خلال هذا العام، وتركز أيضاً على بناء السدود وأهمّها سدّ قارون الذي تُستخدم مياهه لإنتاج نحو 5 آلاف ميغاواط، فضلاً عن إنشاء المحارق في مختلف المدن الإيرانيّة وتطوير تقنيات إنتاج الطاقة من الصرف الصحيّ.