تقدّر كلفة زحمة السير في لبنان بنحو 2 مليار دولار سنوياً، أي ما يشكّل حوالى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير نشره مركز الدراسات في «بلوم بنك». ويأتي ذلك نتيجة تهالك البنى التحتيّة بعد الحرب اللبنانيّة، وتدهور حالة شبكة الطرق، وغياب سياسات تنمية الطرق وصيانتها، ما ساهم في خلق مشكلة زحمة مروريّة مزمنة، والحدّ من الاستثمار والنمو الاقتصادي، كما أدّى إلى تراجع معدّلات السلامة على الطرق.
عملياً، يحلّ لبنان في المرتبة 124 من بين 138 دولة من حيث جودة الطرق، على مؤشر التنافسيّة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016 -2017. ووفقاً لمشروع «الطرق والعمالة» الذي وضعه «البنك الدولي» للعام 2017، يقدّر إجمالي شبكة الطرق اللبنانيّة بنحو 21705 كليومترات، فيما تشكّل شبكة الطرق الرئيسيّة نحو 6380 كيلومتراً من الطرق المعبّدة، مصنّفة كالآتي: 529 كيلومتراً من الطرق الدوليّة، 1673 كليومتراً من الطرق الأوليّة، و1367 كليومتراً من الطرق الثانويّة، و2811 كيلومتراً من الطرق الداخليّة. وبحسب مسح أجرته وزارة الأشغال العامّة والنقل في عام 2000، فإن 15% من الطرق في الشبكة الرئيسيّة هي في حالة جيّدة، و50% منها في حالة متوسطة، و35% في حالة سيئة.

غياب النقل العامّ يفاقم الأزمة!

لا ترتبط زحمة السير المزمنة في لبنان بتهالك البنى التحتيّة وتدهور شبكة الطرق، فقط، بل من أسبابها أيضاً غياب نظام النقل العام المشترك، ما أدّى إلى تكاثر سيارات الأجرة المشتركة وباصات وسيارات النقل المشترك الخاصّة من جهة، واعتماد القسم الأكبر من الناس على سياراتهم الخاصّة من جهة أخرى، بحيث تشير الدراسة إلى أن 25% من السكّان فقط يعتمدون على وسائل النقل المشترك، فيما يستخدم 75% منهم سياراتهم الخاصّة.

25% من السكّان فقط يعتمدون على وسائل النقل المشترك

وبحسب التقديرات التي ارتكزت عليها الدراسة، هناك حوالى 1.75 مليون سيارة مسجّلة في لبنان (85% منها سيارات خاصّة)، بحيث ارتفع العدد الإجمالي للسيارات الجديدة المُسجّلة بمعدل سنوي متوسط يبلغ 13% بين عامي 2007 و2016.
فضلاً عن ذلك، تشهد العاصمة بيروت دخول وخروج ما بين 500 و600 ألف مركبة يومياً، ما يعني أن هناك سيارة لكلّ ثلاثة أشخاص تقريباً، وهي نسبة عالية مقارنة مع بلدان مختلفة مثل تركيا، إذ إن هناك سيارة واحدة لكلّ 7 أشخاص، والصين حيث يوجد سيارة واحدة لكلّ 12 شخصاً.
يُضاف إلى ذلك، تضخّم حركة المرور منذ عام 2011، على الطرق المزدحمة أساساً، بنسبة 15% نتيجة أزمة اللجوء السوري. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإن تدفق اللاجئين زاد من كلفة إعادة التأهيل وتحسين شبكة الطرق بنحو 50 مليون دولار سنوياً.

حلول الأزمة

تقترح الدراسة مجموعة من الحلول لمعالجة أزمة السير في لبنان وتخفيف الازدحام على الطرق، بما سيسمح بجذب الاستثمارات وتوسيع نطاق المشاريع إلى خارج العاصمة، وتنشيط المناطق الريفيّة، وتالياً إحداث نمو في الاقتصاد. وتتمثّل هذه الحلول بالآتي:
1- إنشاء نظام نقل عام حديث وموثوق، ما سيقلّل من الزحمة المروريّة ومن عمليّة استيراد السيارات، وتالياً سيحدّ من التلوّث ويخفّف الفاتورة الصحيّة. وذلك عبر توفير ممرّات خاصّة للنقل العامّ وتحديد أولوياته في إشارات المرور.
2- إحياء نظام السكك الحديديّة التي كانت قائمة قبل الحرب، وإزالة التعديات الموجودة عليها، علماً بأن الاتحاد الأوروبي منح مبلغ 2 مليون دولار في عام 2014 لدراسة إعادة إعمار ممرّ بيروت – طرابلس، أو إنشاء خطّ نقل سريع (باصات النقل السريع)، وخصوصاً أن تكلفته الرأسماليّة هي أقل خمس مرّات من تكلفة بناء السكك الحديديّة.
3- إدارة السلامة على الطرقات، وإدارة حركة المرور، من خلال الاستثمار في نظام النقل الذكي، الذي قد يساهم في تقليل احتمال حدوث زحمة سير، وحوادث ووفيات، كما يسهم في حفض استهلاك الوقود والانبعاثات من خلال استعمال إشارات المرور الذكيّة كتدبير وقائي يهدف إلى اكتشاف أماكن الزحمة والاختناقات، ويساعد في التقليل منها في الطرق الرئيسيّة، بما يوفّر المال والوقت.
4- تحسين نوعية الطرق، وتأهيلها، وخصوصاً أن الطلب على السيارات الخاصّة سيظل في ارتفاع، إذا ما استمرّ الوضع الراهن، وإلى حين تنفيذ مشاريع النقل العام التي عادة ما تكون مشاريع متوسطة أو طويلة الأجل وتشهد تأخيرات متعلّقة بالتمويل.