خلال السنوات الماضية، كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتغلغل في الإدارة اللبنانية إلى حدّ وصفه بأنه تحوّل إلى «إدارة رديفة». في وزارة المال هو الجهة التي تقترح مسارات السياسة المالية وتدير الدين العام، وفي وزارة الاقتصاد كان هذا البرنامج مسؤولاً عن انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية وعن كل ما يتعلق بسياسة لبنان في التجارة الخارجية، وفي وزارة الطاقة له مساهمة أيضاً، وفي وزارة البيئة له دور أساسي، وفي وزارة التربية...
أما في رئاسة مجلس الوزراء، فالقصة لا تقف عند حدود رسم سياسات قطاعية، على خطورة هذا الموضوع، بل تصل إلى حدود اتخاذ القرارات السيادية عبر رسم استراتيجيات لموقف لبنان من القضايا الإقليمية والدولية.

إدارة رديفة بـ14.5 مليار ليرة

سنوياً تخصص اعتمادات في الموازنة العامة لتسديد نفقات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. تبلغ هذه النفقات في مشروع موازنة عام 2017 نحو 14.5 مليار ليرة. تتوزّع هذه الاعتمادات على سبع إدارات لديها اتفاقية تعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. الحصّة الأكبر من هذه الاعتمادات تصرف في وزارة التنمية الإدارية تحت عنوان «نفقات وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية» (27%)، وتليها وزارة المال تحت عنوان «مساهمة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» (27%)، ثم رئاسة مجلس الوزراء تحت عنوان «تعزيز قدرات تنفيذ مقررات رئاسة مجلس الوزراء» (15.5%)، وفي وزارة الاقتصاد بعنوان «مساهمة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» (12.5%)، وفي وزارة التربية بعنوان «مساهمة في برنامج الأمم المتحدة لدعم القدرات الإدارية والمعلوماتية» (8.3%)، وفي وزارة البيئة أيضاً «مساهمة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» (9.7%).
مرّت سنوات عديدة على بدء البرنامج بتقديم خدماته المدفوعة الأجر للوزارات والإدارات المذكورة من دون أن تتضح الجدوى من ذلك. لكن هذا البرنامج ترك، بوضوح، أثراً سلبياً على الإدارة العامة، وبات يشكّل إدارة رديفة لها في الوظائف العليا، والمهمات الأساسية والأعمال الاستشارية للوزراء، بالإضافة إلى سهولة التوظيف عبره، إلى حدّ أنه بات يسيطر على الوظائف الأساسية والمهمة في مختلف إدارات الدولة، قبل أن يتبيّن أنه يقوم بالتخطيط ورسم استراتيجيات رئيس الحكومة وعلاقاته الديبلوماسية.

السياسات القطاعية

بحسب تقرير صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، فإن الموازنة العامة تموِّل البرنامج في إطار «تعزيز قدرات تنفيذ مقررات رئاسة مجلس الوزراء»، تبلغ الاعتمادات المخصصة في هذا الإطار نحو 2.172 مليار ليرة، ويقدّم البرنامج المساعدة الاستشارية والتقنية لرئيس مجلس الوزراء بهدف تطوير مشاريع الحكومة الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية من خلال وضع برنامج عمل تطبيقي وتصميم آليات التنفيذ.
كذلك ينسّق البرنامج بين الوزارات والجهات الرسمية المعنية ومع الجهات المانحة والأطراف الخارجية. وباختصار، إن البرنامج يقدّم الدعم لرئيس الحكومة في مجال السياسة العامة، بالإضافة إلى تصميم مشاريع إصلاحية وتنفيذها، وتطوير القدرات المؤسساتية.
ويذكر التقرير بالتفصيل عمله لدى رئاسة مجلس الوزراء في القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل قطاع النقل وقطاعي الطاقة والمياه، وقطاع البيئة، وتمثيل رئاسة مجلس الوزراء في مؤتمرات دولية، وفي الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتحسين أنشطة الأعمال في لبنان، ومشروع استهداف الفقر، وفي صندوق إعادة التأهيل، وفي السياحة الثقافية الدينية، وأنشطة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وإصلاح النظام الإحصائي، وأنشطة سلامة الغذاء.

مهمات سيادية

لكن رئيس الحكومة لم يكتف بهذا القدر من المهمات الملقاة على عاتق البرنامج وإلغاء الإدارة العامة، بل أضاف مهمات أخرى تتعلق بـ«تنسيق أزمة النزوح السوري، وتنسيق العلاقات الخارجية والدولية لرئيس مجلس الوزراء، وتنسيق وضع خطّة وطنية وبرنامج عمل للحدّ من التطرّف العنفي، قيادة وتنسيق الجهود الوطنية لتنفيذ خطّة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030».

يحضر خبراء البرنامج اجتماعات رئيس الحكومة مع السفراء والديبلوماسيين الأجانب


اللافت في هذه المهمات الإضافية، ما يتعلق بتنسيق العلاقات الخارجية والدولية لرئيس مجلس الوزراء. فقد تبيّن أن البرنامج يسهم في «وضع الأهداف الاستراتيجية لرئيس مجلس الوزراء وتزويده بالمعلومات والتحاليل المرتبطة بالعلاقات والسياسات والبرامج الدولية». وبحسب التقرير فإن «هذا العمل حيوي لأن اطلاع رئيس مجلس الوزراء يومياً على المواضيع الديبلوماسية مرتبط بالمعلومات التي توفرها له هذه الوحدة».
الكلام الوارد في التقرير واضح، إذ إن رئيس الحكومة لا يطلع على المواضيع الديبلوماسية إلا من خلال برنامج UNDP في رئاسة مجلس الوزراء، فيما يؤكد التقرير إعداد خبراء البرنامج تقارير بثلاث لغات عن «الشؤون الدولية تحضيراً للاجتماعات الديبلوماسية والزيارات الدولية والمؤتمرات العالمية التي يشارك فيها رئيس مجلس الوزراء»، وهذه التقارير تتضمن «لمحة عامة حول البلد المضيف والشخصيات التي سيجتمع بها دولة الرئيس بالإضافة إلى صياغة Talking Pont (نقاط أساسية للكلام) حول المواضيع الأساسية التي سيثيرها الرئيس خلال هذه الاجتماعات».
ومن المهمات التي تقع على خبراء البرنامج أيضاً «إعداد وترجمة التقارير الدولية التي يقدّمها رئيس مجلس الوزراء باسم لبنان إلى المؤتمرات والمنتديات العالمية، وإعداد تقارير وتحاليل حول موقف لبنان من القضايا الإقليمية والدولية ومتابعة التطورات على المستوى الإقليمي والدولي وتقديم اقتراحات آيلة إلى تعزيز مكانة لبنان في الأسرة الدولية». وفوق ذلك، يعد الخبراء «موجز بالتقارير المحالة إلى وزارة الخارجية والمغتربين من سفارات لبنان في الخارج، ويعدون الرسائل الديبلوماسية باسم رئيس مجلس الوزراء إلى قادة الدولة العربية والأجنبية».
ويحضر خبراء البرنامج «اجتماعات رئيس الحكومة مع السفراء والديبلوماسيين الأجانب ويتابعون الشؤون والسياسات الدولية واستراتيجيات التعاون التي تثار خلال هذه اللقاءات، وفي الموازاة تقديم التوصيات والاقتراحات ذات الشأن إلى مستشاري رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى إعداد محاضر الاجتماعات وتأمين المتابعة الضرورية للمواضيع التي تم التطرّق إليها والتي تتطلب المتابعة، وتأمين صلة الوصل مع ممثلي الأسرة الدولية في لبنان».