سحر ناصر
المؤسسة الوطنية للاستخدام باتت خارج الخدمة فعلياً، وهي تئن تحت وطأة الإهمال وتقاعس مجلس الوزراء وغياب أي سياسة وطنية لتشغيل اليد العاملة اللبنانية بدلاً من الهجرة أو تكريس «الزبائنية» طمعاً بوظيفة واعدة

تكاد المؤسسة الوطنية للاستخدام أن تكون مجهولة تماماً من الباحثين عن عمل، ومن يعرف بوجودها يشكك في فعاليتها، ويقول مسؤول مجلس فرع الطلاب في كلية إدارة الأعمال والاقتصاد محمد الموسوي «لا تتعدى نسبة طلابنا الذين يعلمون بوجود المؤسسة 1 في المئة»، ويشير نظيره في كلية الحقوق وسيم كوثراني ممازحاً إلى أن «نسبة المتنبّهين لوجود المؤسسة تبلغ 10 ما دون الصفر»... ويؤكد قرينهم في كلية الصحة حسام ياسين «أن 80 في المئة من الطلاب لا تتوافر لديهم أي معلومات عن دور المؤسسة». ويرى طالب كلية الهندسة أنطوان سعدي أن «أكثر من 90 في المئة يجهلون وجود المؤسسة». ولا يخالفه الرأي زياد فرّان، الطالب في كلية الترجمة في الجامعة اليسوعية، الذي قال «ليس لديّ أدنى فكرة عن وجود تلك المؤسسة». فيما يستغرب جواد خليفة، طالب كلية العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، وجود المؤسسة حاله حال زملائه.

معطل حتى إشعار آخر

أُنشئت المؤسسة العامة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 80/77، وهي تتمتع باستقلال مالي وإداري، وتخضع لوصاية وزارة العمل. لها مجلس إدارة ثلاثي التركيب. يرأسه وزير العمل.
ولم يجتمع المجلس منذ أكثر من شهرين بسبب استقالة وزير الوصاية، وانشغال الوكيل بالداخلية، وعدم جدية بعض ممثليه في مناقشة سياسة التوظيف.

1840 عملية توظيف


تتولى المؤسسة رسم سياسات الاستخدام العامة والإقليمية والقطاعية وتنفيذها، وتدريب اليد العاملة، ودرس سوق العمل والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على سوق العمل، وإيجاد فرص عمل لطالبي العمل...
وقد أنشئ أول مكتب استخدام مركزي في بيروت عام 1996، وأُتبع بمكتب استخدام في طرابلس وآخر في صيدا. تقوم هذه المكاتب باستقبال طالبي العمل لترشيحهم للوظائف الشاغرة في القطاع الخاص كل حسب إمكانياته. وقد استقبلت منذ عام 1998 حتى 1/5/2007، 11684 طلباً للعمل، و3983 عرضاً للعمل. ووصلت عمليات الترشيح الى 8000، بينما بلغ عدد عمليات التوظيف 1840، أما عدد الزيارات للمؤسسات فسجل 1453 زيارة.
وتوزعت النسب بين الذكور والإناث حتى تاريخ 19/5/2007 إلى 60.76 في المئة للذكور، و39.23 في المئة للإناث.
وتستقبل المؤسسة الفئات العمرية التي تراوح بين 19 عاماً وما فوق 61 عاماً، واستحوذت فئات 26 و30 عاماً على 29.12 في المئة من طلبات العمل، تليها فئات 31 و35 عاماً بنسبة 20.77 في المئة. وتبلغ حصة الفئات العمرية بين 36 و40 عاماً 13.04 في المئة.

شحّ الموارد المالية

تتألف واردات المؤسسة من الاعتمادات التي تخصص لها في الموازنة العامة، وأية موارد أخرى تلحظها نصوص خاصة، ولا تتعدى موازنتها 3 مليارات ليرة لبنانية في أحسن الأحوال. ففي سنة 2006 رُصد للمؤسسة مبلغ وقدره مليار و600 مليون ليرة لبنانية، علماً بأنه لا تتوافر للمؤسسة أية إيرادات متأتية من الخدمات التي تقدمها، فهي لا تتقاضى رسم طابع مالي أو أي رسم آخر. ويؤكد أحد الموظفين في المؤسسة أنه «لم تتوافر للمؤسسة الأموال اللازمة للمشاركة في معرض فوروود، ولولا مساهمة المنظمين لما استطاعت المؤسسة من دفع التكاليف»، وتابع «لم نستطع توفير مبلغ مليون ليرة لبنانية لتجهيز ما يكفي من المطبوعات، وتوزيعها على الزائرين لتعريفهم بوظيفة المؤسسة».

النفوذ السياسي يعرقل العمل

تمثل المؤسسة ملاذاً لمن لا يملك «الواسطة»، لكن معظم أرباب العمل في القطاع الخاص يتعرضون لضغوط معنوية ومادية من قبل السياسيين لتوظيف المقربين منهم، وهو ما يؤكده ممثل الاتحاد العمالي العام في مجلس الإدارة ورئيس اتحاد عمال ومستخدمي الفنادق والمطاعم بشارة شعيا بقوله «يتدخل معظم الوزراء لفرض من يريدون توظيفه في الفنادق، وفي المؤسسات التجارية»، واصفاً الأمر بالانحطاط في التعاطي مع هذه المسألة.

مكاتب الاستقدام عثرة نافذة

تواجه المؤسسة حرب «الدمج والإلغاء» التي يشنّها ثالوث مؤلف من بعض موظفي وزارة المال ووزارة العمل، وشبكة مكاتب الاستقدام (اسم يطلق على مكاتب الاستخدام الخاصة للتمويه) التي تنتشر في لبنان تحايلاً على القانون وخلافاً له، إذ تنص المادة 8 من المرسوم الاشتراعي 77/80 على ما يلي «اعتباراً من تاريخ العمل بهذا المرسوم الاشتراعي، لا تعطى أية رخصة لإنشاء مكاتب استخدام خاصة أو مكاتب تقوم بأعمال تدخل ضمن مهام المؤسسة الوطنية للاستخدام، كما لا تجدد ولا تعدل أية رخصة معطاة مسبقاً بهذا الشأن ولا يسمح بالتفرغ من الرخصة المذكورة ولا بانتقالها عن طريق الإرث والوصية». فمن يتقصى انتشار مكاتب «الاستقدام» التي تعد المئات بتوفير وظيفة، وتتقاضى ثمن الاستمارة أو (cv)، يرَ أنها تقفل أبوابها بعدما يجمع أصحابها مبالغ طائلة. بينما يعمد بعضها الى الاقتطاع من راتب من يُوظّف لمدة ترواح بين 3 أشهر وسنة.
وتفيد مصادر مسؤولة في المؤسسة أن «مكاتب الاستقدام في لبنان أصبح لها نفوذ واسع لدى معظم الجهات السياسية، حيث تدفع المكاتب مبالغ طائلة للاستحصال على التراخيص من وزارة العمل».

المؤسسة في مواجهة العمالة الأجنبية

من مهمات المؤسسة تحديد حاجات سوق العمل لليد العاملة الأجنبية كمّاً ونوعاً، والتنسيق مع الجهات المسؤولة عن الإجراءات المتعلقة بها، وتتبّع تنفيذ هذه الإجرءات، ولكن لا شيء يحصل من ذلك، إذ تتراكم الكتابات الموجهة الى وزارة العمل المتضمنة «أن عشرات اللبنانيين مستعدون للقيام بمثل هذه الأعمال، ولكن أصحاب العمل لا يريدون دفع الحد الأدنى للأجور ولا التقيد بالدوام الرسمي والتقديمات التي تنص عليها القوانين، بسبب تدنّي أجور اليد العاملة الأجنبية وسهولة الحصول عليها وهذا ما يوجب اتخاذ خطوات فعالة لتشغيل اللبنانيين».

مؤسسة فاعلة وحكومة متراخية

وأوصت منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 142 «بضرورة تفعيل دور المؤسسة لتنفيذ مهامها المتعددة».
وورد في الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 22 تاريخ 25-10-1995: «كما يطمح المشروع إلى تفعيل دور المؤسسة الوطنية للاستخدام في مجال استجابة التأهيل لحاجات سوق العمل».
ويرى وزير العمل السابق علي قانصو أن «المؤسسة لا يمكنها القيام بمهماتها، في غياب خطة موضوعة من قبل مجلس الوزراء لاستيعاب العاطلين عن العمل»، مشيراً الى أن «المؤسسة غير مجدية في وضعها الحالي، ما يستوجب تفعيلها، ولا سيما من خلال دعم موازنتها التي غالباً ما تقتصر على رواتب الموظفين».
ويقول رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن إن «المطلوب أن تنتهج الحكومة سياسة جادة تتعلق بموضوع الاستخدام، وذلك عبر تفعيل دور المؤسسة، وتابع أن «الحكومة تنظر الى زيادة معدلات البطالة كزيادة رقمية، من دون دراسة آثارها السلبيةdiv class="writer-related" style="padding: 1em;">

مؤسسة للتوظيف تحتاج إلى موظفين!

70 في المئة من ملاك المؤسسة الوطنية للاستخدام شاغر، فيما تتعالى الأصوات المنددة بالفائض في الوظائف العامة.
تضم المؤسسة 42 موظفاً، يتوزعون على مكاتبها الثلاثة، بينما ينص مرسوم إنشائها على وجود 170 موظفاً. وتقول إحدى الموظفات في مكتب الاستخدام في بيروت إن «الموظف يقوم بمهمات متنوعة، من تعبئة الاستمارات، والاتصال بأرباب العمل، والقيام بزيارتهم، والتواصل مع الجامعات، وملاحقة التطورات المهنية التي تطرأ على المتقدمين بالطلبات، وإجراء الاحصاءات اللازمة، فالتخصص في العمل مفقود».