مقالات للكاتب

محمد زبيب

الأحد 25 تشرين الثاني 2007

شارك المقال

عدنان القصار

strong>محمد زبيب

• مقوّمات الاقتصاد الوطني أصبحت مهــدّدة

• لا خوف على الاستقرار النقدي في المرحلة المقبلة

أصبح اقتصادنا مكشوفاً على الاحتمالات كلها... فراغ في الرئاسة الأولى، تجاذبات سياسية، شائعات أمنية، وذلك كله في ظل تدهور معيشي لا يهدأ. فكان لا بد من التوجه إلى الهيئات الاقتصادية لتحسّس الخطوات التي ستتخذها لتحصين مصالحها، فأشار رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار إلى أنه يشعر بأن مقومات الاقتصاد الوطني قد أصبحت مهددة، وأن استمرار الفراغ سيعمّق الأزمة الاقتصادية ويزيد من تعقيدات الحلول

على الرغم من مخاوف الهيئات الاقتصادية من الأزمة السياسية القائمة والفراغ الحاصل في الرئاسة الأولى، إلا أن رئيس الهيئات عدنان القصار واثق من عدم انعكاس هذا الواقع سلباً على القطاع المصرفي والوضع النقدي، لافتاً في مقابلة مع «الأخبار» إلى أن المصارف ستأخذ المبادرات التي تراها مناسبة من زاوية المصلحة الوطنية العليا، وحسب الظروف القائمة في حينه، إذا قصّرت الدول المانحة في تنفيذ تعهداتها، مجدداً تمسكه ببرنامج مؤتمر باريس ـــــ 3 الاقتصادي، مع إضافة بعض التعديلات، ولا سيما لجهة عدم الموافقة على زيادة الأعباء الضريبية المباشرة وغير المباشرة قبل القضاء على الهدر في المالية العامة وعلى الفساد في الوزارات.

اقتصاد في الفراغ

• ما هو تقويمكم لواقع الاقتصاد اللبناني حالياً؟ وأين تكمن المخاطر؟
ـــــ يمرّ لبنان اليوم بأزمة سياسية واقتصادية صعبة ناجمة بالدرجة الأولى عن امتداد حدة الخلافات السياسية الداخليـة وتواصلها منذ سنوات، وتقاطع تطورات عدة عالمية وإقليمية معقدة، وما خلّفتـه الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنـان من تداعيـات سلبيـة على جميع الصعـد المالية والاقتصادية والاجتماعيـة. فالاقتصـاد الوطنـي يشهد منذ قرابة ثلاث سنـوات حالة من الانكماش العام، كما أن أوضاع المالية العامة تفاقمت هي الأخرى في ظل تنامي مستويات ونسب العجز المالي والديـن العام، والقطاعات الاقتصادية تعاني خسائر كبيـرة جـرّاء حالة التوتر السياسي المستمرة والشلل الاقتصادي، والأوضاع المعيشية والاجتماعية تشهد هي الأخرى تراجعـاً تبعـاً لتردّي الأوضاع الاقتصادية على كل الصعــد. من هنـا، نتمنى في المرحلة الراهنة أن يتم التوافق على رئيس جديـد للجمهورية يكون انطلاقـاً نحو الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي المأمول، لأننا نشعر بأن مقوّمات الاقتصاد الوطني قد أصبحت مهــددة.

• ما هو موقفكم من الفراغ الحالي؟ وماذا سيكون موقفكم في حال وجود سلطتين في لبنـان؟
ـــــ نحن في الهيئات الاقتصادية نستشعر نبض الشارع ونحسّ بقلقه ونؤكد أهمية التوافق على رئيس جديد للجمهورية يكون مدخلاً مطلوباً للحل السياسي العام، وتالياً الحل الاقتصادي المنشود. ولقد حذرنا في مناسبات عدة كهيئات اقتصادية، وبالاشتراك مع الاتحاد العمالي العام والنقابات المهنية الحرة، من الوضع الحالي، ومما قد تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في حال عدم انتخاب رئيس توافقي للبلاد. ونرى أن عدم التوصل إلى هذا الأمر، وبالفعالية المطلوبة، سيعمّق من حدة الأزمة الاقتصادية الحالية، ويزيد من تعقيدات الحلول المرجوة لها، مما سينسحب سلباً على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية.

• كيف ستتحرك الهيئات في ظل الفراغ الرئاسي الراهن؟
ـــــ لقد دعونا رؤساء الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والنقابات الحرة إلى اجتماع اليوم (الاثنين)، للبحث في الأوضاع والتطورات المحتملة، وتنسيق المواقف واتخاذ القرارات اللازمة على صعيد الخطوات التي نلتزم القيام بها في مواجهة ما تمر به البلاد.

التداعيات على المصارف

• هل أنتم قلقون على وضع القطاع المصرفي؟ وهل هناك خوف من خروج ودائع كبيرة من لبنان؟
ـــــ برهن القطاع المصرفي اللبناني، في أكثر من مفصل، على قـدرة ومرونة كبيرتين على تجاوز الصعاب والمحن والأزمات التي مرّ بها لبنان على امتداد السنوات الماضية، حتى خلال المرحلة الحالية الصعبة بتعقيداتها السياسية والأمنية والاقتصادية. وبذلك، أصبح هذا القطاع يمتلك إمكانات كبيرة وخبرة قوية على صعيد إدارة الأزمات، الأمـر الذي ساعده ويساعده على تخطّي الصعوبات التي تواجه لبنـان على جميع الصعد.
كذلك فإن المصارف اللبنانية استطاعت تحصين ذاتها إلى حد كبير من التجاذبات السياسية الداخلية المتواصلة منذ سنوات عدة. وأشدد على أن مصارفنا ماضية في مخططاتها التوسعية، متجاوزة في ذلك كل الأوضاع السياسية المتشنّجة، وكل ما يُرسم من سيناريوهات بشأن مسار الوضع السياسي والاقتصادي في المرحلة المقبلة.
فالقطاع المصرفي اللبناني خرج سليماً معافىً من تجربتين مريرتين في كل من العامين 2005 و 2006 وأثبت متانته وقدرته على تجاوز الأزمات الكبيرة التي حصلت خلال هذين العامين (اغتيال الرئيس الحريري وحرب تموز)، بعدما كان قد صمد طوال الأزمة اللبنانية التي امتدت منذ السبعينيات حتى أواخر التسعينيات. كذلك يظهر اليوم صموداً ومرونة عالية في التعاطي مع إحدى أكبر الأزمات السياسية والأمنية وتالياً الاقتصادية والاجتماعية التي مرّ بها لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية، في ظل تصاعد حدة المناكفات السياسية الداخلية والأوضاع الأمنية غير المستقرة حالياً وما ينجم عنها من قلق وعدم تأكد مما ينسحب سلبياً على الاقتصاد الوطني وعملية نموّه وإعادة إعمارهوالقطاع المصرفي اللبناني تجاوز الأزمات الكبيرة هذه بفضل الثقة التي يضعها المجتمع العربي والدولي بلبنان ودوره ومستقبله، وكذلك بفضل الثقة التي يضعها المودع والمستثمر الداخلي والخارجي بالمصارف اللبنانية، هذه الثقة وإن كان تتزعزع في بعض الظروف، لم تفقد يوماً، ويعززها التنسيق والتعاون النموذجي بين إدارات المصارف والسلطات النقدية والرقابية، وإدارة المصارف لمواردها بطريقة حكيمة، خصوصاً لجهة تمتعها بمعدلات سيولة مرتفعة وملاءة مالية عالية، والسياسة النقدية الثابتة والرائدة، ولا سيّما في الشق النقدي الذي أداره البنك المركزي بكفاءة عالية بقيادة الحاكم رياض سلامه، وكذلك التوسع الكبير الذي حققه القطاع المصرفي اللبناني على الصعيدين الداخلي والخارجي وأيضاً التطوير الذي يطال كل بنيانه الخدماتي والتقني والبشري والرأسمالي.

• برأيكم، هل يستطيع مصرف لبنان مواجهة الفراغ أو واقع تتنازعه سلطتان؟ وكيف؟
ــــ إننا نتمنى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن توافق عام وخلال المهلة الدستورية المرعية، حتى لا نصل، إلى وضع سياسي أكثر تعقيداً قد يكون في شكل حكومتين تتنازعان على السلطة التنفيذية في البلاد. إن هذا الوضع قد يدخل لبنان في مرحلة بالغة الدقة مفتوحة على كل الاحتمالات، مما قد يجرّ على الوطن والمواطنين المزيد من المشكلات والأزمات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ولكن لدى مصـرف لبنـان القدرة والإمكانات على صعيد مواصلة إدارة الشأن النقدي والمصرفي بنجاح خلال المرحلة المقبلة، مهما كانت اتجاهات الوضع السياسي العام، وهذا ما أثبته خلال السنوات الماضية بكل كفاءة وفعالية، في الحفاظ على استقرار نقدي متين ومتواصل، رغم كل الظروف الصعبة التي مـرّ بها لبنـان في السنوات السابقــة. والمصرف المركزي يملك مخزوناً كبيراً من العملات الأجنبية في الوقت الحاضر، ما يمكّنه من دعـم استقرار العملة الوطنيـة بقوة كبيرة. لذا، لا خوف على الاستقرار النقدي خلال المرحلة المقبلة، ونحن نتمنى أن يتحقق الاستقرار السياسي الذي يدعـم الاستقرار الاقتصادي وأيضـاً الاستقـرار النقـدي.

مصير باريس ـــ 3

• إذا تأخرت الدول والمؤسسات المانحة في تنفيذ تعهداتها، فهل المصارف ستموّل حاجات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية؟ ووفقـاً لأي شروط ؟
ـــــ برأينا، إن الدعـم الدولي غير المسبوق والكبير للبنان والمتعدد الجهات، مع وجود تناقضات بعضها مع البعض الآخر، والذي تحقق في إطار مؤتمر باريس ـــــ 3، بأبعاده المعنوية والمالية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية، سيتجاوز الخلاف السياسي الداخلي الراهن، وسيتواصل خلال المرحلة المقبلة. وقد أكدت المصارف اللبنانية في أكثر من مفصل أنها تمثّل خير داعم لصمود ونمو وتطوّر الاقتصاد اللبناني، وهي تأخذ المبادرات التي تراها مناسبة من زاوية المصلحة الوطنية العليا، وحسب الظروف القائمة في حينه. وهي ترى أن الحكومة مدعوّة إلى تطبيق البرنامج الإصلاحي الاقتصادي الذي تعهدت به في مؤتمر باريس ـــــ 3، وهي تدعم الجهود الإصلاحية التي ستنفذ، وترى فيها شرطاً أساسياً للنهوض الاقتصادي والاجتماعي.

• ما هو تقويمكم لأداء الحكومة في سياق تنفيـذ برنامج باريس ـــــ 3؟
ـــــ رغم صعوبـة الظروف المحيطة بعمل الحكومة، والسائدة في لبنـان، فقد استطاعت الحكومة تحقيق تقدم جيد على طريق تنفيـذ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الإصلاحي الذي تعهّدت به في مؤتمر باريس ـــــ 3، وقد صاغت الحكومة عدة مشاريع قوانين وتشريعات خاصة بمجالات اقتصادية ومالية واجتماعية مهمة، ورفعتها إلى المجلس النيابي من أجل إصدارها لكي تسهم في تحسين بنية الأعمال والمناخ الاستثماري وتطوير الاقتصاد وتحسين الأوضاع الاجتماعية. إلا ّأن مشاريع القوانين والتشريعات لا تزال أسيرة الوضع السياسي المتأزم حاليـاً، الذي نتمنى أن يزول ويحل مكانه اتفاق سياسي يدعم توافقاً اقتصادياً يمكّن لبنـان من الإيفاء بالتزاماته في باريس ـــــ 3، وبالتالي يسرّع من وتيرة الإصلاح الاقتصادي والمالي المنشود والمطلوب لإعادة النمو للاقتصاد الوطني.

برنامج الهيئات

• ما هو البرنامج المقترح لإبعاد شبح الأزمة الاقتصادية؟ وما هي مطالبكم من الحكومة والقوى السياسية؟
ـــــ الهيئات الاقتصادية ترى أن برنامج لبنان الاقتصادي الذي قدمته الحكومة اللبنانية لمؤتمر باريس ـــــ 3 يتضمن العديد من الجوانب التي تلتقي مع ما كانت تطالب به. ونحن نرى أن انعقاد مؤتمر باريس ـــــ 3 ونجاحه في إقـرار مساعدات دوليـة مهمة للبنـان سيكون المنطلق لتحويل البرنامج الإصلاحي للحكومة إلى عملية داعمة لإعادة النمو إلى الاقتصاد الوطني، وتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية، بحيث يتحقق ذلك بإدخال بعض التعديلات التي قد يتفق عليها، وفي إطـار روزنامة زمنية دقيقـة، وبآليات عمل محددة تمامـاً، ووفق أولويات متفق عليها. كما أننا نشدد على ضرورة إشراك القطاع الخاص ممثلاً بالهيئات الاقتصادية في اللجنة التي أشار إليها البرنامج الإصلاحي، من أجل متابعة تطبيق بنود البرنامج الإصلاحي، نظراً إلى دور القطاع الخاص الذي يعوّل عليه الجميع في تحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي.
ونحن شددنا على الدوام على أهمية وضع وتنفيذ الأطر القانونية والتشريعات المناسبة لعملية تحقيق الإصلاح الإداري الشامل، الذي يُعدّ المكوّن الرئيسي لسياسة الإصلاح المالي، وترسيخ ركائز الإدارة الاقتصادية السليمة وخفض حجم القطاع العام في الاقتصاد الوطني وزيادة فـرص النمو العام. كما أكدنا موقفنا الراسخ من عــدم موافقتنا على زيادة الأعباء الضريبية المباشرة وغير المباشرة، قبل القضاء على الهدر في المالية العامة وعلى الفساد في الوزارات العامة.
كذلك فإننا شدّدنا ونشدّد باستمرار على أهمية صياغة وتنفيذ سياسة استراتيجية لخصخصة بعض المرافق العامة، ولا سيّـمـا قطاعات تكبّد الدولـة خسائر ماليـة وديـوناً متزايدة مثل قطاع الكهرباء، على أن تجري الخصخصة ضمن اعتبارات أساسية، تأخذ بعين الاعتبار مبادئ الشفافية والمساءلة، كما تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنيـة العليا للبلد. كذلك، شدّدنا أيضـاً على أهمية السعي الدائم لإغناء مناخ الاستثمار، وتحديث القوانين الحالية بهدف تمكين القضاء من البت بالسرعة اللازمة في القضايا المرفوعة اليه، ودعـم دور القطاع الخاص في حال النزاعات عبر المصالحة والتحكم. إضافة إلى ضرورة تحقيق الإنمـاء الاجتماعي في موازاة تحقيق الإنمـاء الاقتصادي المتوازن قطاعيـاً ومناطقيـاً، والذي لا بـدّ أن يرتكز على صياغة سياسة اجتماعية تحسم الخيارات الخاصة بإعادة هيكلة نظام الضمان الاجتماعي وتطبيق نظام التقاعـد، وبنـاء شبكة الحماية الاجتماعية وتطوير القطاع الصحي. أما المطلوب من جميع الأفرقاء السياسيين الاتفاق السياسي والتوافق الاقتصادي مهما كانت التضحيات.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي