منذ شباط عام ٢٠١٤ ينشغل رياض الأسعد، رئيس مجلس إدارة «شركة الجنوب للإعمار» في دراسة قطاع إدارة النفايات المنزلية الصلبة. تتكدس فوق مكتبه كمية كبيرة من الدراسات والعروض لمختلف التقنيات المستخدمة عالمياً من الجمع والكنس والنقل، وصولاً إلى المعالجة.
يقول الأسعد لـ»الأخبار» إن حماسته للدخول إلى هذا القطاع بدأت خلال جلسة شهيرة جمعته برئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، الذي أبلغ من التقى به من المستثمرين في بداية عام ٢٠١٤ أن قراره حاسم بإغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل، وأن قراراً بهذا الحجم بحاجة إلى البحث عن بدائل جدية وواقعية في آن واحد.
لا يخفي الأسعد صداقة «البَيكَين». «جنبلاط صديق قديم، وأنا أقدِّر عالياً منهجيته وطريقة مقاربته للملفات، وقد اتفقنا في حينها على أن أُعدّ دراسة مفصلة حول البدائل المطروحة لإدارة النفايات».
جال الأسعد في العديد من العواصم الأوروبية والآسيوية والأفريقية (زار أكثر من ١٢ بلداً لهذه الغاية)، بحثاً عن الحلول الأحدث والأكثر استخداماً لمعالجة النفايات، وتوصل إلى قناعة لا عودة عنها، أن عصر «طمر النفايات» قد انتهى، لا بل هناك العديد من المستثمرين قد بدأوا بتقديم عروض للبلديات لتنقيب المطامر الموجودة واستخراج النفايات منها، وإعادة استخدامها كوقود بديل.
توصل الأسعد إلى قناعة أن معالجة النفايات من طريق تحويلها إلى RDF (الوقود البديل المشتق من المرفوضات) هو الحل الأفضل للمعالجة، خصوصاً إذا ما أُحسن إنتاج هذا الوقود طبقاً لجودة المخلفات ومكوناتها، وحسن استخدامه من قبل شركات الأسمنت في تقليل الآثار البيئية السلبية التى قد تنتج من استخدام الوقود الأُحفوري، مروراً إلى إنشاء معامل للكهرباء تعمل على هذا الوقود، وصولاً إلى تصديره.
عثر الأسعد على ضالته في إسبانيا، حيث زار معامل إنتاج الـ RDF ذات المواصفات الأوروبية، واقتنع بإمكانية عقد شراكة مع المستثمرين العاملين في هذا المجال، خصوصاً أن الشركات هناك تصرف جزءاً كبيراً من إنتاجها إلى شركة «سيسيل». هذه الشركة اشترت في عام ٢٠٠٧ من شركة «سيمابا» 21.86% من أسهم شركة سبلين للترابة بمبلغ 37.3 مليون دولار أميركي.

الائتلاف الذي تقدّم إلى المناقصة يضم إلى «الجنوب للإعمار» شركة Hara الإسبانية


أبلغ الأسعد النائب جنبلاط بتفاصيل المشروع، وقدم وفد من «سيسيل» إلى بيروت وعرض تفاصيل المشروع. اشترط جنبلاط أن يكون معمل إنتاج وقود الـ RDF يراعي أعلى معايير الجودة وأقل نسبة من التلوث والضجيج ووصولاً إلى اشتراطه مراعاة عدم التشويه البصري. برأي الأسعد، إن المعارضة التي واجهت المشروع من قبل السكان والبلديات في منطقة إقليم الخروب لم تكن بريئة، وجزء أساسي منها ذو بعد طائفي ومناطقي، وبتحريض من المنافسين، إضافة إلى سوء الفهم والتعميم والخلط بين معمل إنتاج الـ RDF ومحرقة للنفايات، علماً بأن الفارق كبير بين التقنيتين.
حسم جنبلاط موقفه بالتراجع كلياً عن تقديم أرض في معمل سبلين لإنشاء معمل للوقود البديل (RDF)، وأبلغ الأسعد أنه لا يريد أن يكون شريكاً في أي مشروع تجاري يتعلق بمنشأة عامة، مع تاكيده أنه لا يزال يلقى دعمه السياسي، لكن المطلوب البحث عن موقع بديل لإقامة المعمل.
يرى الأسعد أن احتكار قطاع النفايات في بيروت وجبل لبنان من خلال مجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي) لسنوات طويلة نتج منه تحالف عريض ومتشابك يتداخل فيه السياسي بالأمني بالقضائي، وصولاً إلى البلديات والأحزاب. لكنه يؤكد أن عصر الشركة الذهبي قد انتهى منذ اللحظة التي حسم فيها جنبلاط قراره برفض التمديد لمطمر الناعمة – عين درافيل، الذي يعتبر الركيزة الأساسية للشركة و»الدجاجة التي تبيض ذهباً» والمكان الوحيد والحصري للتخلص من اكثر من ٨٠ بالمئة من نفايات بيروت وجبل لبنان وبكلفة مرتفعة.
التخلي عن انشاء معمل في سبلين لم يحبط الأسعد، بل استمر في توسيع حلقة التشاور مع مختلف الشركات العالمية المعنية بقطاع ادارة النفايات. سافر الى النرويج وعقد اتفاقاً مع شركة استشارية مصنفة الأولى عالمياً لإعداد دراسة أثر بيئي استراتيجي لتحويل النفايات إلى طاقة من طريق الـ RDF. وحين علم بأن جنوب أفريقيا لديها خبرة واسعة في التخلص من الرماد الناتج من استخدام الفحم الحجري، سافر الى جوهانسبرغ واطلع على تقنية التلخص من الرماد الثقيل والطائر من طريق إعادة الاستخدام والطمر الآمن للمكونات المصنفة خطرة.
وكي لا يرتبط إنتاج الـ RDF باستخدامه الحصري في أفران الاسمنت، أعدّ دراسة جدوى للتخزين وإعادة التصدير إلى الصين والأسواق الأخرى الناشئة والمعتمدة كثيراً على هذا الوقود، خصوصاً في المنشآت البعيدة عن أماكن تكرير النفط واستخراجه. يستعين الأسعد بالتجربة الناجحة لشركة «لافارج» الفرنسية في مصر للدلالة على أهمية معامل إنتاج الـ RDF.
«طموحي أن نصدر وقوداً بديلاً يضاهي في جودته الوقود المصدر من مدينة إدنبرة في اسكتلندا، وصولاً الى امكانية انشاء معمل للكهرباء يعمل على الوقود البديل، ويمكن ان تصل قدرته من ٣٠ الى ٥٠ ميغا واط بسعر لا يتجاوز ٧.٥ سنت للكيلو واط الواحد».
عنصر قوة آخر سيطرحه الأسعد يتعلق بوزن النفايات عند جمعها. برأيه، إن العقود السابقة تفتقر إلى الشفافية ومجحفة للبلديات. والحل هو بتركيب جهاز أتمتة على كل شاحنة لجمع النفايات يزن الكمية المرفوعة في الموقع، مع إيراد اسم الشارع والمنطقة والبلدة التي رفعت منها النفايات، وهذا ما سيُلغي إمكانية التلاعب بالأوزان من طريق التقبين في مراكز الفرز والمعالجة حتى مع موجود شركة مراقبة واستشاريين.
ماذا عن المناقصات التي أعلنها مجلس الإنماء والإعمار في 5 شباط الجاري؟ يقول الأسعد إنه اشترى دفتر الشروط للمنطقة «ج» (الشوف وعاليه وبعبدا) ويفكر جدياً في الدخول في مناقصة المنطقة «أ» (بيروت والضواحي). يذهب الأسعد أبعد من ذلك ليقول إن شركته تفكر جدياً في الدخول في المناقصات الست في مختلف المناطق اللبنانية، خصوصاً أن مجلس الإنماء والإعمار سيعلن مناقصات البقاع والجنوب في ٢٦ آذار الجاري. علماً بأن المتعهد يستطيع الفوز بمناقصتين من أصل الست مناقصات.
يقول الأسعد إن مجلس الإنماء والإعمار بصدد إعلان تأجيل فضّ العروض في ١٤ نيسان المقبل، بسبب العديد من القضايا التقنية الناقصة في دفتر الشروط، وهو أرسل ما مجموعه ٥٢ سؤالاً تقنياً إلى إدارة المجلس للإجابة عنها ولا يزال ينتظر الأجوبة.
الائتلاف الذي تقدم إلى مناقصة المنطقة «ج» يضم إلى شركة الجنوب للإعمار شركة Hara الإسبانية ، وتمولها شركات استثمارية عالمية، أسهمها ستكون مطروحة للاستكتاب وستكون جاهزة للدخول في البورصة.
يقول الأسعد إن الطريقة التي أعدت فيها دفاتر شروط المناقصات فيها الكثير من الفخاخ. طريقة وضع علامات التقويم يطغى فيها السعر الافرادي على التقنية وعلى ضمانة الجودة البيئية وحسن تقديم الخدمات. بمعنى آخر، إن الملف التقني مهمش في دفتر الشروط لصالح السعر. لذلك، إن «الجنوب للإعمار» أعدّت مناقصتين: الاولى تقدم ما يسميه الاسعد عرض الـ»رولز رويس» القائم على انشاء معمل لإنتاج الوقود البديل وتوليد الطاقة ، لكن في الوقت نفسه ستقدم الشركة عرضاً آخر، يسميه عرض الـ»فولكس فاغن»، يقوم على التسبيخ والطمر على غرار ما يطمح اليه المنافسون، لكن مع شرط واضح ومسبق، هو أن على الحكومة أن تؤمن موقع الطمر. برأي الاسعد، إن هذه المعادلة ستجعل جميع المنافسين خصوصاً في بيروت والضواحي متعادلين في النقاط، لأن اياً من الطامحين للانقضاض على «الكعكة» ليس لديه القدرة على فرض مطمر للنفايات في اي منطقة، مع تخوف وحيد، أن يستخدم أحد «منافسي القبان» كما يسميه ورقة إنشاء مطمر في عقاراته كحل وحيد، الأمر الذي سيخلق «كارثة» جديدة على غرار «الناعمة – عين درافيل».