1.7 مليار دولار كلفة بناء مصفاة نفط جديدة ■ تحويل مصفاة الزهراني إلى مجمّع تخزين إقليمي

وحدها قطر درست إمكان بناء مصفاة تكرير للنفط في طرابلس، بدلاً من المصفاة القديمة، «لكن لبنان لن يستفيد إلا بعد 25 سنة»، هذا ما قاله مدير منشآت النفط سركيس حليس لـ«الأخبار»، إذ إن كلفة استحداث المصفاة، حسب الدراسة القطرية، تتجاوز مبلغ 1.7 مليار دولار، تضاف إليها كلفة الدراسة التي تجاوزت 800 مليون

محمد وهبة
قال المدير العام لشركة منشآت النفط في لبنان سركيس حليس، إن عرض وزارة البترول القطرية بناء مصفاة نفط في لبنان لن يكون مفيداً للبنان قبل أن يستلم هذه المنشآت بعد مرور 25 سنة، مشيراً إلى أن الدراسة التي أجرتها شركة فرنسية لمصلحة قطر قدرت كلفة بناء المصفاة منذ نحو سنة ونصف سنة بنحو مليار و700 مليون دولار، علماً بأن أسعار الحديد ارتفعت كثيراً منذ تلك الفترة.
وأكد أن الحكومة اللبنانية لم تحسم الأمر برفض العرض القطري أو قبوله، لافتاً إلى وجود تباينات في وجهات النظر بشأن بعض النقاط، إذ تطلب قطر تأجيرها الأرض بثمن زهيد، وأن تكرر نوعية محددة من النفط الخام الذي يتغير بحسب المصدر، أي إن لبنان لن يكون قادراً على تكرير نوعية أخرى بعد مرور فترة العقد.
وأشار إلى أن الشركات الأجنبية أعربت عن عدم رغبتها بالاستثمار في مصفاة لتكرير النفط في لبنان.
وأوضح أن هناك أسباباً فنية وتقنية لإعادة تأهيل المصفاتين الحاليتين، فقطع الغيار لم تعد متوافرة لهما، إضافة إلى أن قدرتهما الإنتاجية خفيضة كثيراً، ولا يمكنها أن تلبي الطلب المحلي على المشتقات النفطية، وسيبقى لبنان يستورد 60 ألف برميل من المشتقات النفطية يومياً، في حين أن مجمل الاستهلاك المحلي يبلغ 80 ألف برميل، وبالتالي فإن تشغيل المصفاة يفترض أن تكون القدرة الإنتاجية تتجاوز 100 ألف برميل يومياً.
وأعلن أن منشآت النفط تعمل على تأهيل خزانات النفط في مصفاة الزهراني لتكون مركزاً إقليمياً واستراتيجياً لتخزين النفط في منطقة البحر المتوسط.
سلبيات تجديد المصفاتين
■ معلوم أن دولة قطر قدمت عرضاً لبناء مصفاة نفط جديدة في لبنان، فما هي أسباب طرح بناء مصفاة جديدة، في حين أن لدى لبنان مصفاتين متوقفتين عن العمل منذ فترة طويلة؟
ــ كان الأمر محسوماً، فالقرار هو بناء مصفاة جديدة، فهناك أسباب فنيّة وتقنيّة تمنع تجديد مصافتي طرابلس والزهراني، لأن قطع الغيار لهذا النوع من المصافي في العالم لم تعد متوافرة، ويجب طلبها من الشركات الأم لتصنيعها، ويضاف إلى ذلك، أنه إذا تقرر تجديدهما وإهمال الأسباب الفنية، فهناك عائقان: نوعية البنزين التي تكررها هذه المصافي لم تعد قابلة للاستهلاك إلا في دول قليلة في العالم، لأن البنزين الذي تستطيع إنتاجه هو من دون أوكتان. أما قدرة إنتاج هاتين المصفاتين فصغيرة، ولا تتجاوز 21 ألف برميل يومياً، في وقت أن السوق اللبناني يستهلك نحو 80 ألف برميل يومياً، أي إننا سنستورد 60 ألف برميل إضافي، وبالتالي فإن الوضع في لبنان سيستمر على حاله وسيستمر استيراد المشتقات النفطية من الخارج، عدا كلفتها المرتفعة وقِدمها وعدم ملاءمتها المعايير البيئية.
لذلك فأي كلام خارج قدرة التكرير والإنتاج في المصفاة الواحدة بنحو 100 ألف برميل على الأقل، هو غير منطقي، إذ يجب أن تتمكن هذه المصفاة من تغطية الطلب المحلي على مدى عشر سنوات على الأقل، وبالتالي يجب تشغيل مصفاة جديدة بقدرة تكريرية كبيرة نسبياً، ويمكن الاستفادة بعد تغيير وحدات التكرير من البنى التحتية، مثل الخزانات والمرفأ والخبرات...
عرض قطري... وحيد
■ هل تقدمت دول أو شركات أخرى بعرض بناء مصفاة؟
ــ في أيام الوزير محمد فنيش طُرحت فكرة إعادة تشغيل مصافي النفط في لبنان، واتصلنا بشركات عدة في الخارج (بريطانيا، أوروبا، أميركا،...)، أبدت رغبتها في هذا الاستثمار، وخصوصاً أن كلفة إنشاء المصافي تغيّرت حسب متطلبات الإنتاج الجديدة. ولكن هذه الشركات لم تهتم، فقد اعتذر قسم منها، وأخرى لم تجب على المراسلات. ويمكن تفسير هذا الأمر بأن الشركات الأجنبية غير مهتمة باستثمار مبلغ كبير في لبنان، في ظل الأوضاع السياسية، أو غير ذلك من الأسباب الخاصة...
غير أن دولة قطر أبدت اهتماماً منذ سنة ونصف سنة تقريباًَ، بمصافي تكرير النفط في لبنان، وقامت بمبادرة فردية من وزارة البترول القطرية، فوقعنا مع شركة «كيبكو» (قطر للبترول) مذكرة تفاهم لإجراء دراسة جدوى اقتصادية، تدرس إمكان بناء مصفاة في لبنان. وكلفت وزارة البترول القطرية شركة فرنسية إنجاز الدراسة التي لم نتبلغها رسمياً حتى اليوم، ولكننا فهمنا أن نتيجتها كانت إيجابية.
كلفة استحداث مصفاة
■ لماذ لم تبلغكم قطر بنتيجة الدراسة؟
ــ دفعت الوزارة القطرية تكاليف الدراسة، ولهم الحق بالاحتفاظ بها، ولكن مذكرة التفاهم تلحظ تبليغنا بالنتائج، وبحسب اتصالاتنا معهم، عرفنا أنه يمكن لقطر أن تستحدث مصفاة لتكرير النفط في لبنان بكلفة تبلغ ملياراً و700 مليون دولار، زائداً أو ناقصاً 10 في المئة بحسب بورصة أسعار الحديد (التقديرات كانت منذ سنة ونصف سنة، ولكن أسعار الحديد ارتفعت كثيراً منذ تلك الفترة). وتؤمن هذه الدراسة للمستثمر معلومات عن مردود المبلغ المستثمر في خلال 25 عاماً. وعندما استقال الوزير فنيش من الحكومة، استأنف القطريون اتصالاتهم لاحقاً برئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وحتى اليوم لم تحسم الحكومة أمرها بالسماح للقطريين تنفيذ مشروع إنشاء مصفاة في لبنان.
نقاط التباين مع قطر
■ ما هي الأسباب التي منعت الحكومة من حسم هذا الأمر؟
ــ هناك بعض البنود التي يتضمنها العرض القطري، ولم ينل موافقة الحكومة عليها، مثل نوعية النفط الذي سيتكرر في هذه المنشأة، إذ تريد قطر تكرير نوع محدد من النفط الخام، فهل سيكون بإمكان المصفاة أن تكرر نوعاً آخر من النفط في حال توقف تدفق النوعية التي يريد القطريون تكريرها؟ ومن مصلحة لبنان أن تعمل هذه المصفاة على تكرير أكثر من نوع، لأن النفط الخام المستورد يختلف بحسب المصدر، علماً بأن الشركات الخاصة في لبنان تستورد من أكثر من بلد. وهناك أيضاً بعض التباينات في وجهات النظر، وبحسب ما علمت، فإن رئيس الحكومة لم يحسم قراره بهذا الأمر.

■ هل تعتقد أنه يمكن الوصول إلى تفاهم واتفاق مع دولة قطر بشأن هذا المشروع؟
ــ يمكن ذلك إذا حصل تفاهم على بعض النقاط العالقة، مثل سعر إيجار الأرض، فهم كانوا يطلبون بدل إيجار خفيضاً يكاد يكون مجانياً.
لبنان لن يستفيد!
■ ماذا سيستفيد لبنان إذا تمّ الاتفاق مع قطر على تكرير نفطها في لبنان؟
ــ لن يكون لنا علاقة بها أو استفادة قبل 25 سنة، فالعرض يتضمن أن يستخدمها القطريون لهذه المدة، ثم تعود ملكيتها إلى الدولة اللبنانية، وإن قطر ستبيعنا المشتقات النفطية بالأسعار العالمية نفسها، والاستفادة الوحيدة لدينا هي في خفض سعر النقل الذي تفرضه الشركات المصدرة للنفط، لأننا سنشتري من المصفاة مباشرة.
استثمار محلي
■ لماذا لا يقوم لبنان بهذا المشروع؟
ــ هل بإمكان وزارة الطاقة تأمين كلفة إنشاء مصفاة بمبلغ يتجاوز ملياراً و700 مليون دولار؟ لا أعتقد أن هذا ممكن، فهذا مبلغ كبير.

■ لماذا أجرت قطر دراسة لبناء مصفاة واحدة فقط في طرابلس، ألا يمكن بناء مصفاة في الزهراني؟
ــ دراسة الجدوى الاقتصادية القطرية نُفّذت على مصفاة طرابلس فقط، من دون الزهراني، والسبب أن أيام العمل في مرفأ طرابلس بسبب الطقس أكثر من أيام العمل في الزهراني، وليس هناك سبب آخر. فمرفأ طرابلس يتوقف نهائياً عن العمل بسبب الطقس بين 14 و18 يوماً في السنة، بينما عدد أيام التعطيل في مرفأ الزهراني تصل إلى 50 يوماً في السنة. لكن العرض القطري كان يتضمن استئجار خزانات الزهراني لتخزين الكميات المكررة.

■ ما هي كلفة المصفاتين الحاليتين اللتين لا تعملان على منشآت النفط؟
ــ مصاريف المنشآت (رواتب 450 موظفاً، وصيانة لبعض النواحي المتعلقة بعملها الحالي في تجارة المازوت والفيول أويل) تغطيها الشركة، والأرباح التي تنتجها من تجارتها في المازوت الأحمر والفيول ومختبرات الفحص وغيرها من الخدمات تغطي هذه الكلفة.
لبنان: مجمع نفطي؟
■ إذاً، كيف يمكن الاستفادة من مصفاة الزهراني؟
ــ تتمتع مصفاة الزهراني بقدرة تخزين مرتفعة، ولذلك باشرنا إعادة تأهيل الخزانات التي تبلغ قدرتها الحالية ما بين 60 و70 ألف طن، من أصل كمية تخزين في السوق المحلية تبلغ 450 ألف طن فيول ومازوت، وفي أواخر حزيران سنستلم 3 خزانات جديدة بعد تأهيلها، لتزيد قدرتنا التخزينية بنحو 70 ألف طن، وسنستمر بعملية التأهيل (تأهيل الخزانات القديمة وتزويدها بخلّاطات للنفط وبأنظمة الحماية من الحريق،...)، لتصبح 250 ألف طن لجذب المستثمرين، تمهيداً لطرح مناقصة عالمية تمكننا من زيادة هذه القدرة إلى ما بين 450 و500 ألف طن. وبدأنا ورشة إعادة تأهيل السنسول البحري في المرفأ، ونعمل على تغيير خطوط الجر الأساسية التي تنقل المشتقات النفطية من البواخر إلى الخزانات، وذلك ضمن مشروع ينتهي في خلال سنتين أو ثلاث، لأننا نستثمر بأموال شركة منشآت النفط الخاصة، ولا تساعدنا الدولة في هذا الأمر.
ونهدف من هذا الاستثمار إلى إنشاء مجمع نفطي في الزهراني لاستيراد النفط وتصديره ومزجه، على غرار ما هو موجود في مالطا وإسبانيا، علماً بأن مالطا معروفة بكونها مركزاً تخزينياً، وإن قدرتها التخزينية لا تتعدى 550 ألف طن. ونعمل على أن تصبح الزهراني مركزاً تخزينياً إقليمياً، لأنها قريبة من قناة السويس، وهناك حاجة كبيرة لوجود قدرة تخزينية في منطقة البحر المتوسط، فالشركات الكبرى تأخذ حمولتها من خزانات قريبة من الدول التي ستبيعها النفط، فمثلاً تأتي بواخر شركة سوناطراك الجزائرية من البحر الأسود وفرنسا لتأخذ حمولتها من خزانات مالطال، بحسب المواصفات المطلوبة.
وهذا موضوع مربح للبنان الذي يمتلك القدرة والتسهيلات المناسبة لهذا الأمر، فلماذا لا يقوم بهذا الاستثمار عبر تأجير الخزانات للشركات العالمية، أو حتى تشغيلها من خلال شركات إدارة مجمعات النفط العالمية. سنرى ما هو الأربح لنا وسنقوم به.

■ ما هي الأرباح المتوقعة من هذا الاستثمار؟
ــ هناك طريقتان معمول بهما عالمياً، إما تأجير الخزانات سنوياً في مقابل مبلغ مقطوع، أو تحصيل رسم محدد لقاء تخزين كل طن، فالسعر المعمول به عالمياً هو ما بين 5 و6 دولارات على كل طن ضمن سقف تخزين 100 ألف وما فوق، بذلك يصبح السعر 4 دولارات... والأهم من ذلك كله أن لا منافس لنا بسبب موقعنا الجغرافي، فنحن قريبون من خط مرور بواخر النفط الآتية من الخليج حتى مالطا.