بعد غيابه أكثر من ثلاث سنوات، يعود المُحقق لوثر بحضورهِ الطاغي وكاريزماه المعهودة، لكن بشكل مُختلف هذه المرة، داخل نموذج أفلمة سينمائية من إنتاج منصة نتفليكس، ومن إخراج جيمي باين، مُخرِج الجُزء الأخير من سلسلة «لوثر» التي عُرِضت على مدار سنوات متفرّقة على «بي. بي. سي». بيد أن الفيلم مُقارنة بالسلسلة الأصلية، إذا وجبت المُقارنة، سيكون إلى حدٍّ كبير أضعف وأقل جودة، وخصوصاً من حيث الكتابة السينمائية. رغم طول مُدّته التي تجاوزت الساعتين، بدا المُنتج السينمائي كسرديّة مهلهلة في أكثر من جانب، تعتمد بشكل كُلي على تصدير النجم إدريس إلبا كنجم له حضور مميّز يخطف الأنظار. والحقيقة أن إلبا كمُمثل لا غُبار عليه، إذا وضعته في إعلان معجون أسنان سيظهر كنجم خاطف للأنظار، ولكن هذا لا يكفي لصُنع شيء له قيمة من الناحية الإبداعيّة، أو حتى التجارية، فهُناك الكثير من الأفلام التجارية التي تخلق عالماً له معنى، مبنياً على أسس منطقيّة، بيد أن الأمور هُنا لم تسِر على ما يرام بالنسبة إلى المُخرِج جيمي باين وكاتب السيناريو الذي هو نفسه مُبدع السلسلة نيل كروس.يدور الفيلم الذي يُعتبر امتداداً للسلسلة القصيرة حول المُحقق الخارق للعادة جون آرثر (إدريس إلبا)، حين ينخرط في التحقيق حول سلسلة جرائم جديدة تتعلّق باختفاء وقتل مجموعة من الشباب الذين لا يربطهم أي شيء تقريباً. بيد أن المُخرِج لا يترُك للمُشاهد الفُرصة للفهم أو الاستنتاج، بل يكشف القاتل المُتسلسل منذ اللحظة الأولى، ديفيد روبي (أندي سركيس) أحد تُجّار المدينة الأثرياء، يتبدّى بصوته المربك ومُكالماته الهاتفية المُخيفة حين يبدأ بابتزاز ضحاياه بمخالفات يتضح بشكل غير مُباشر أنّ لها علاقة بالكود الاجتماعي. يُجبرهم على التحرك إلى نُقطة ما حيث يختطفهم ويقتلهم أو تنفيذ مُخالفات أخرى تُفيده في إنجاز خططه أو حتى الاستعراض بحياتهم والقفز من فوق أحد المباني الضخمة في أحد الميادين المشهورة. ببساطة يلعب المُجرِم روبي بمخالفات ضحاياه المحجوبة، ويستغل خوفهم من الفضيحة على الملأ وواجهتهم الاجتماعية البرّاقة والنقية، ويبدأ بتحريكهم كالدُّمى. كُل هذا جيّد يخدم نوعيّة الفيلم التي تتعلق بالحركة والغموض والمطاردات. بيد أن القفز بالسرد فوق مساحات ضرورية لتأسيس بنية الفيلم وشخصيته الرئيسية من الناحية النفسية والاجتماعية، يُضعف السرديّة ككُل، ويخلق فجوات في الحكاية لا يُمكن التغاضي عنها بشكل كامل عن طريق تخيّل سيناريوهات بديلة لملء تلك الفراغات التي تتعلّق بالشخصيّة الرئيسية وأبعادها وماضيها. يرى المُخرِج عكس ذلك، ويُلقي بالمُحقق آرثر في السجن فجأة وبدون أي مقدمات سوى مُكالمة بسيطة بين روبي وأحد أعوانه، تدور حول كشف خطايا وجرائم آرثر الخَفية، وهذا لا يكفي للزجّ بمحقق بريطاني شهير داخل أحد السجون بكل سهولة ومن دون أي مبررات واضحة للمشاهد.
يدور الفيلم الذي يُعتبر امتداداً للسلسلة القصيرة حول المُحقق الخارق للعادة جون آرثر


يهرب آرثر من السجن بمعاونة أصدقائه القدامى، لتبدأ رحلة المُطاردة والكشف على أكثر من جهة، فآرثر نفسه يُعتبر خارجاً عن القانون تطارده الشُّرطة، وديفيد روبي هو الهدف الأساسي والمُجرم الرئيسي في القضية، غير أن الفيلم لا يخدم ذلك الكشف. لا توجد لحظات من التنوير الحقيقي، لا نرى سوى مطاردات وقتالات بالأيدي والأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى قصة شعر ديفيد روبي السخيفة. مجموعة من الكليشيهات اجتمعت لتخلق فيلماً، إلا أن ما يجعله قابلاً للمشاهدة هو وجود إدريس إلبا، ولعبه الدور بشكل ثقيل ورزين، وصوته وهيئته المناسبة للدور. لا يوجد شيء في الفيلم تقريباً إلا إدريس إلبا، وهذه نُقطة ضعف واضحة، فالبناء القصصي لا يكشف بالتدريج كما المعهود في هذه النوعية، لا يكشف على الإطلاق إلا مواقف مجردة وأماكن، فنحن كمشاهدين لا نعرف شيئاً عن الجهة الأخرى. ديفيد روبي تاجر ثري، شوّه زوجته ووضعها في مصحّة، لديه مجموعة من القراصنة السيبرانيين يعملون تحت إمرته لخلق ما يُشبه الغُرف الحمراء، حيث يُمارس فعل القتل المتعمّد على مجموعة من الضحايا الأحياء من أجل مجموعة من الأفراد/ الزبائن/ المستهلكين الذين يحتجبون خلف حواسيبهم ويدفعون المال للحصول على نشوة متطرّفة. ويحاول روبي عبر عرضه لمونولوغ في نهاية الفيلم أن يعرض وجهة نظر مغايرة، فهو يكره الشُّرطة لأنها نموذج رمزي للقواعد والسلطة المجردة، التي تضع القوانين وتنفذها على مزاجها الخاص، وبوجودها يُمنع هؤلاء الأفراد المتفرقون من الحصول على النشوة وممارسة ما يمنحهم اللذة، أي قتل وتعذيب الأفراد الآخرين، وقد صوّرهم المخرج كطرفين متصارعين.
وعلى الجانب الآخر، تتبدّى كُل الشخصيات هامشية، لا نعرف عنها شيئاً تقريباً، رُبما للأمر علاقة بمشاهدة السلاسل السابقة للفيلم لنتعرف أكثر إلى آرثر، إنما في سردية الفيلم، نحن لا نعرف شيئاً حتى عن البطل، لا نرى سوى مجموعة من الأقاويل ومشاهد المُقابلات العابرة. والحقيقة أن الفيلم ككُل يبدو كمُنتج غير متناسق. الأبطال يبدون مختلفين لا يتماهون مع النسق أو مع أنفسهم. جريان العالم ذاته وإيقاعه يبدوان غريبين، رُبما لأن المُخرِج هو مُخرج تلفزيوني في الأساس. ولكن رغم كُل ذلك، هُناك بعض الأشياء الجيدة مثل أداء سركيس وإدريس إلبا الذي أضاف إلى الفيلم الكثير من حيث الموقف الدرامي والانفعال وخلق اللحظة، بالإضافة إلى سينماتوغرافيا جيدة ومزاج كابوسي صوّر إلبا في بعض الأحيان كأنه الرجل الوطواط، وهذا شيء غريب أيضاً، بيد أنه في النهاية فيلم مخيّب للآمال بشكل عام.

* Luther: The Fallen Sun على نتفليكس