يشذّ مسلسل «ترتيب خاص» (إخراج ميّار النوري الذي تشارك الكتابة مع فؤاد يمين) الذي يُعرض على منصّة «برايم فيديو»، عن هذه القاعدة تماماً! ففي العمل الدرامي الذي يشارك في بطولته مكسيم خليل ولين غرّة وناتاشا شوفاني وفؤاد يمين وكارول الحاج وغيرهم، يغيب المنطق الرئيسي المرتبط بصناعة المسلسلات القصيرة.
تدور الحكاية حول شابّ سوري يعيش في لبنان اسمه «أحمد الأصابيعي»، تلاحقه الظروف السيّئة من كلّ حدبٍ وصوب. يتملّكه هاجس الشهرة، فتأخذه الحماسة إلى عالمٍ من الوهم والتخيّلات والتهيّؤات، ويعيش في أحلام يقظته. يحاول صناعة أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي ليحقق الانتشار والشهرة.
في هذا الإطار، يُجري مداخلات ويدلي بتصريحات وكأنّه مقدّم برنامج مختصّ بالقضايا النفسية، ما يضعه في مأزقٍ ويتسبّب في طرده من عمله في مطعم وجبات سريعة. لكنّ حادثة انتحار تغيّر حياته تماماً، إذ يصادف مروره في موقع الحادثة وعثوره على هاتف المنتحر، فيكتشف حواراً مع طفلته التي تنتظره على العشاء، ثمّ يتّضح أنّه كان يعاني من مشكلات نفسية ومادية. بعد ذلك، يتواصل من هاتف الراحل مع جمعية معنية بمساعدة الذين يوشكون على الانتحار، فيعطيها عنواناً خطأ، ما يتسبّب للمركز والموظّفة التي تلقّت الاتصال في مشكلات كبيرة.
ثم نتابع كيف يُصبح الرجل مديراً للمركز بعد التسبّب في فضيحة ما، قبل أن يُكتشف أمره، ثمّ يزجّ به في السجن حيث يؤلّف كتاب «ترتيب خاصّ»، فيما يستمرّ تأثيره على السوشال ميديا.
من الواضح أنّ قصّة المسلسل السوري ــ اللبناني المشترك من إنتاج شركة «فالكون فيلمز»، مفكّكة تخلو من التصعيد الدرامي المطلوب. كما تغيب عنها الجسور الدرامية وعناصر أساسية تعتمد على التكثيف وتسارع الأحداث. فنجد أنفسنا أمام مونولوجات مفبركة وقصّة بعيدة تماماً عن الواقع. فضلاً عن إقحامٍ غير مقنع لشخصية سورية في لبنان، ناهيك بالحشو واللجوء غير المبرّر إلى الشتائم. عدا عن جنوح الحكاية بين الفينة والأخرى إلى الفنتازيا التي يعيشها البطل، وتسهم في تفكيك الحكاية وغياب أيّ مبرّر يشرح الدوافع التي أدّت إلى وصول الشخصيات إلى ما هي عليه. فلماذا نشاهد هوس البطل بأصابع النساء؟ وماذا أضافت هذه الفكرة على المسلسل؟ لا شيء!
وفضلاً عن ذلك، تظهر بعض الشخصيات وتغيب بشكلٍ مفاجئ من دون ترك أيّ أثر، ما يؤكّد انتفاء أي مبرّر لوجودها، كما حدث مع «هند» (لين غرة) التي تورّط البطل في حوارات شخصية تجعله عرضة للمساءلة في عمله، ثمّ تختفي. ثم تتوالى التساؤلات: ما الذي جعل المذيعة تخون زوجها؟ ولماذا اختارت مدير المركز الاجتماعي تحديداً؟ يمرّ مشهدٌ وحيد حول عدم رضاها عن حياتها الجنسية، قبل أن تسير الأحداث على هذه الوتيرة المصطنعة في ظلّ حكاية ركيكة وحلول سهلة تتبعها.
بصرياً، فَرد المخرج كلّ أوراقه واستعرض جميع مهاراته، فنجح ببناء هوية بصرية خاصة، ولكنها لا تنسجم مع روح الحكاية بقدر ما تعبّر عن الصورة التي تأثّر بها عالمياً، إذ من الواضح أنّه استحضر هوية المخرج الأميركي الشهير ويس أندرسون ومقاربة فيلمه «فندق بودابست الكبير»، أقلّه لناحية الإضاءة.
ولعلّ السوية الأدائية هي العنصر الإيجابي الوحيد في العمل، ولا سيما لدى بطله مكسيم خليل. من الواضح أنّ المسلسل ركّز على البحث في العوالم النفسية للشخصية قبل الانتقال إلى المظهر الخارجي، مروراً باللغة والمفردات وحركة الجسد. مع العلم أنّ شخصية «أحمد الأصابيعي» لم تتأثّر بالمتغيّرات التي عاشتها ولم يبدُ عليها العزّ والثراء حتى بعد نجاحها في الوصول إلى ما تريد.
ومن ناحية أخرى، سطع نجم الممثّلة اللبنانية ناتاشا شوفاني التي جسّدت دورها من دون أيّ مبالغات، مقدّمةً ردود أفعال مقنعة. ومع ذلك، لا يمكن لأداء ممثّل واحد أو براعة مخرج واستعراضه البصري أن ينقذ حكاية ركيكة.
«ترتيب خاص»: استعراض بصري يخفي حكاية مفكّكة
غالباً ما تتّفق المرجعيات الأكاديمية المعنية بفنّ كتابة السيناريو على ضرورة عناية الكاتب بصوغ التعقيدات ومنطق البناء التصاعدي للحكاية. فالتعقيدات ليست عقبات تمنع البطل من الوصول إلى هدفه، ولا تشكّل تهديداً واضحاً له، على الأقل في البداية. وفي الحبكة، تبرز بعضها لتهدّد الشخصية الرئيسية، وقد تستمرّ في مشاهد عدّة، ولكن ليس من الضروري أن تكون متعاقبة.