منذ بدايات علي وجيه ويامن الحجلي ودخولهما عالم الكتابة الدرامية، أدمن الشابان الجريئان على نوع واحد من المسلسلات: الدراما القائمة على «وحل الواقع»، أو ما يُعرف بالـ Grit Cinema، أو كما يحلو للبعض تسميتها: «السينما المتطرفة». وهي أعلى بكثير من مثيلتها «السينما الواقعية» القائمة على تجسيد الواقع المعاش وتعريته والحديث عنه وصولاً حتى إلى تلخيص قباحته بأقذر ما يمكن وصفه. مثلاً، في مسلسلهما الأوّل «عناية مشدّدة» (2015 ــ إخراج أحمد إبراهيم أحمد)، لفت الشابان الأنظار عبر مشاهد تقطيع «هموم» (أمانة والي) لجثة بفرحٍ شديد بقصد بيع أعضائها. كان المشهدمقززاً ومقرفاً. وتباهى الثنائي وقتها بأنّهما «يعريان المجتمع ويفضحانه».بعد ذلك، توقّع المتابعون أن ينضج عمل الشابين اللذين ينشطان سنوياً بتقديم عمل مسكون بالتوحّش الذي يسمّيانه واقعية، لكن الأمر استمر على المنوال نفسه. فبطلهما «زكوان» (مهيار خضّور) الذي ينتف دجاجة بوحشيةٍ بالغة لا بغرض أكلها، بل لأنّه مزعوج، واصل الظهور كشخصيةٍ متناقلة/ قاعدية لاحقاً عبر كل مسلسلاتهما، فأصبح اليوم (في «ولاد بديعة» ــ إخراج رشا شربتجي/ «mbc دراما» و«شاهد») «مختار» (محمود نصر)، مع إيجاد منفذ جانبي لشخصيته: مريض، متوحّش، يقتل بدم بارد. اللافت أنّهما حينما قررا تخفيف «الزَكْوَنة»، قدّما شخصية «فوزان» (عباس النوري) في «مع وقف التنفيذ» (2022 ــ إخراج سيف الدين السبيعي)، فخفّت حدّة القتل مقابل ارتفاع مستوى الجشع والطمع والتوحّش. إذاً هو واقع مفرط في سوداويته، لا يمكن لأحد القول إنّه غير مرتبط بيومياتنا، لكن المشكلة الكبرى أنه بالتأكيد ليس واقعاً «معاشاً» كما يحاول الشابان جاهدين إثباته. بعد سبعة أعمال يعرض منها تزامناً هذا العام «مال القبّان» (إخراج سيف الدين سبيعي ــ SBC، وLTV، و«ART حكايات»، و«شاهد») و«ولاد بديعة»، يمكن التأكد بأنّ نمطهما الكتابي محدد ومضبوط على هذه الشاكلة: اختيار بيئة شعبية، والأفضل أن تكون بيئة إنتاجية (سوق، شارع تجاري، مؤسسات)، مع إضافة شخصيات موبوءة، مسكونة ومعجونة بالشر إلى درجة غير قابلة للتصحيح، ثم اللجوء إلى محاولة سطحية لتبرير ما يحدث. لا يعتبر الحجلي ووجيه أنّهما بحاجة لتبرير الأمر، بل على العكس يقبلانه باعتباره الموجود ولا يحاولان تجميله حتى.
اللافت أنّهما لا يخلقان أي comic relief (مخفف للصدمات أو الثقل الدرامي) فعلي للمشاهد. على سبيل المثال، يخلو «ولاد بديعة» من أي شخصية إيجابية من أي نوع. الأب الفاضل «عارف الدبّاغ» (فادي صبيح) الذي يقدَّم على أنّه محترم وتاجر كبير ولا يفوّت فرضاً، يقيم علاقة جنسية مع «بديعة» (أمارات رزق) المختلّة عقلياً، ويرفض الاعتراف بابنهما. أسئلة كثيرة من دون إجابة، ومئات التفاصيل التي لا يهتم الشابان بمتابعتها أو بالإجابة عليها. ماذا عن «أبو رياض» (فراس ابراهيم) المؤمن الكاره للباطل والخطأ، الذي نفاجأ بهشاشة إيمانه من خلال مبرّرات سخيفة وغير مقنعة؟ ماذا عن «زهور» (ولاء عزّام)، الشخصية الأقرب الإيجابية في العمل؟ في لحظة واحدة، تترك خطيبها «نظمي» (هافال حمدي)، فقط لأنّ شقيقها المدمن والمخرّب «جمعة» (مصطفى المصطفى) وضع له قطعة حشيشة في ثيابه! يجعلها الحجلي ووجيه تضعف أمام ثراء «الوفا» (رامز الأسود)، حبيبها السابق العائد من الخليج. يريد الثنائي تقديم مجتمع خالٍ تماماً من أي ذرة خير، مليء بالشر إلى أقصى حد. مجتمع يصبح فيه «الآخرون هم الجحيم» فعلياً. فوق كل هذا، يحاولان تقديمه بصورة «المعتاد/ العادي»، باعتبار أنّ هذا هو الموجود فلنحاول التعايش معه. صورة يقرنانها بكمّ الهائل من الواقعية: الفقير مادي ومتوحش، يمكن أن يقتل لأجل عشرة قروش، فيما الغني ظالم وسادي يتسلّى بآلام الآخرين، وصاحب السلطة/ضابط الأمن استغلالي وسلطوي، والسيّدات خائنات وماديات ينتظرن اللحظة للفساد والإفساد. مجتمع قذر وفاسد ينتظر لحظة الطوفان العظيمة.
إذا ماذا عن التريند؟ باختصار، الفكرة قائمةٌ أساساً على أن نضع مؤدين ماهرين مثل سلافة معمار ومحمود نصر ونادين تحسين بيك وسواهم، وهو فعلياً ما يحدث، مع مخرجة ماهرة مثل رشا شربتجي، ونص «قاس» يضاف إليه الكثير من المشاهد الموغلة في العنف القائمة على عنصري الصدمة والإثارة (كمشهد إعدام القطط على يد طفل، ومشهد ضرب «مختار» المبرح على يدي «ياسين» و«شاهين» اللذين يجسدّهما يامن الحجلي وسامر إسماعيل). وما الذي تقدّمه شخصية «سكّر» (سلافة معمار) سوى رفع حظوظ العمل لناحية تصدّر التريند؟
هل تعيش أعمال كهذه طويلاً؟ بالتأكيد لا! لكن الأكيد أنّها أعمال شأنها شأن الفيلم الإيطالي المقزز «سالو» (1975) لبازوليني: سيتذكرها الناس لا إبداعاً بل بصفتها مقزّزة وتثير الضجّة لا أكثر ولا أقل.

* «مال القبان»: على SBC (س: 20:30)، وLTV (س: 23:00)، و«ART حكايات» (س: 23:30)، و«شاهد»
* «ولاد بديعة»: س:12:00 على «mbc دراما» ـــ منصة «شاهد»