بهدوء من يعرف نفسه أين يذهب. تسلل سامر البرقاوي إلى شركة «الصبّاح» اللبنانية وحجز لنفسه مكاناً ثابتاً على أهم الفضائيات العربية، ثم راحت تحقق أعماله نسب مشاهدات عالية. ولو كانت في بعضها عبارة عن إفادة موصوفة من أفلام عالمية في مواطن محددة. لكنه من خلال سلسلة أعمال متلاحقة أنجز حصّة شهرة يسيرة، وإن نالت نصيبها من الهجوم النقدي لكنّها صنعت له مجداً ما وجماهيرية واسعة. إلى أن توهجّ للحدود القصوى عندما حظي بنصّ متماسك وفكرة ذكية جداً في الجزء الأوّل من «الهيبة» (كتابة هوزان عكّو وإنتاج «الصبّاح»). هكذا، اتّقدت شعبيته وملأ صيته أصقاع الوطن العربي، ليتحوّل هذا العمل لاحقاً في أجزائه المتعاقبة إلى حالة تجارية استهلاكية خالصة، تستثمرها الجهة المنتجة بحرفة رجال «البزنس». آخر مظاهر هذا الاستثمار تمثّلت في إنجاز فيلم يلخّص كامل حكاية «الهيبة». طبعاً كلّ ذلك حدث دون الالتفات الكافي إلى القيمة، مع الاتكاء بدرجة أساسية على نجومية وكاريزما تيم حسن، بطل «الصبّاح» المطلق والفتى المدلّل لمجموعة MBC السعودية. الشراكة نفسها جرّبت البحث عن الحلقة المفقودة في ذلك النجاح، أي القيمة الفنية، ومحاولة صناعة عمل وازن، وكادت أن تقطف ثماراً غنيّة عندما أعلنت عن نيّة تصوير مسلسل «الأمير الأحمر» (كتابة حسن سامي يوسف ــ عن حياة المناضل الفلسطيني أبو حسن سلامة) لكن العمل طوي في الأدراج، كونه لا يتّسق مع سياسة الخليج، المَنفذ الواسع للعرض وإتمام صفقات الربح! فيما ظلّ البحث مستمراً ليرسو على نصّ «الزند» (كتابة المسرحي عمر أبو سعدة وإخراج البرقاوي)، من بطولة تيم حسن ودانا مارديني ورهام القصّار. والأخيرة ممثلة سورية من مواليد عام 1992 متخرّجة من «المعهد العالي للفنون المسرحية» وزوجة الكاتب، وكانت قد سافرت إلى أوروبا مع زوجها حيث أنجزت تجارب عدّة، كما أنها لعبت دوراً في الجزء الثاني من مسلسل «المنصّة» على «نتفليكس» إلى جانب مكسيم خليل، وشاركت في فيلمَيْ «يوم أضعت ظلّي» (عام 2018 ــ إخراج سؤدد كعدان) وAs Far as I Can Walk (عام 2021 ــ إخراج ستيفان أرسينيجيفيتش).رغم إحاطة المشروع بسريّة مطلقة وفرض شروط جزائية تمنع الممثلين من نشر أي صورة من اللوكيشن، أو الإدلاء بأي معلومة تخصّه، علمت «الأخبار» أنّ كاميرا المخرج المعروف دارت في محافظة حمص السورية في الأوّل من شهر أيلول (سبتمبر) الحالي، وأنّ التصوير في سوريا سيشمل أيضاً الساحل ويفترض أن ينتقل بعدها إلى لبنان وتركيا. علماً أنّ المشاهد الأولى جمعت ممثلين سوريين إضافة إلى البطلتَيْن مارديني وقصّار، هم: باسل حيدر، نهال الخطيب، فيلدا سمور، مازن عباس، بيدرو برصوميان، رهام غسان، هبة زيني وفؤاد وكيل. كما أن الشغل يسير بوتيرة عالية وساعات طويلة، تبدأ أحياناً من الثالثة فجراً حتى العاشرة ليلاً.
أما عن القصة، فهي بحسب التسريبات المتقاطعة لبعض العاملين في المسلسل تدور تقريباً عام 1900، قبيل الحرب العالمية الأولى وفترة الاحتلال العثماني لبلاد الشام، وتقع بيئتها المكانية في الجبال الساحلية السورية، وتروي سيرة بطل شعبي ينحدر من عائلة نافذة يسيّجها الجاه والمال والخدم. ليقع ابن هذه العائلة (تيم حسن) في سنّ مبكرة في عشق ابنة خادمة لديهم (دانا مارديني) وراقصة في بلاط والده الآغا، ثم يقيم معها علاقة خارج إطار الزواج، قبل أن يصرّ على الارتباط بها. بعدها، تتشابك الحبكة تصاعدياً ويبقى جوهرها الأصيل هو الأكشن، لكنها تتنوّع بين حياة تلك المرحلة وترصّد يوميات البطل الثري الذي قرّر أن يقف باستعداد مترف للتضحية بكل شيء من أجل حبّ حياته التي سيتزوجها ولو على حساب استعداء والده، لتحيله الرواية إلى ما يشبه البطل الشعبي بعدما يتحدّى الآغا ويهزّ عرشه ويجابهه مراراً وتكراراً، ويهين سطوته. كلّ ذلك بمنطق الأكشن والتشويق المتصاعد.
الفكرة تعيد فوراً إلى الأذهان إحدى كلاسيكيات الدراما السورية، وهي «الثرّيا» ( 1997 ــ كتابة نهاد سيريس وإخراج هيثم حقي). يومها، لعب جمال سليمان بطولة العمل بشخصية «عكّاش»، البطل الشعبي الذي يقع في حبّ سوزان نجم الدين ابنة «الباشا» الذي أدّى شخصيته الراحل خالد تاجا. حينها، أوقف العمل الشارع السوري وحمّسه ليساند بشغفه ذاك البطل الشعبي الفقير الذي أرعب الباشا وتزوّج ابنته رغماً عنه. ربما هي المصادفات بفارق زمني كبير بين «عكّاش» الفقير و«عاصي الزند» الثري اللذان ينسجان خيوط حكاية ومصير متشابه إلى حدّ ما.