اتفق المعلمان ديفيد فينشر وكريستوفر نولان على أن المخرج يجب أن يكون ديكتاتوراً! بمعنى أن يكون مسؤولاً في الدرجة الأولى عن كلّ صغيرة وكبيرة. يحمل زمام المبادرة، ويحرص على المساءلة، إذا لم تسر الأمور على طريقها الصحيح! واعتبر نولان أنه من اللافت أن يكون للمخرج فريق عمل مختص، لكنه من المفترض عليه الإلمام بكل شيء، وأن يكون حامل راية العمل ليقدر على القيادة بصدق وبراعة، وإن لم يفعل، لن يأبه الآخرون لفعل هذا بنفس القدر من المهارة! في المقابل، اعتبر مخرجون آخرون بأن لا قواعد ثابتة للسينما، إنما تتوجب مجافاتها الخطايا، وأول تلك الخطايا هو الملل؟!كل تلك القواعد يمكن سحبها على التلفزيون وإن أتى في مرتبة متأخرة عن السينما! لكن الفن التلفزيوني، وصل إلى مراحل صار التعاطي معه في بلادنا بمنتهى الاستخفاف. ذات مرة وعلى مسمع أهل الإعلام، وبّخ ممثل سوري معروف ومدير سابق لواحدة من كبريات شركات الإنتاج، مخرجاً صار لاحقاً صاحب صولة وجولة، لأنه قَبل بأن يكمل عملاً عن مخرج آخر بعد خلاف إنتاجي! حينها، كان يجرب الممثل التمسّك بتقاليد مهنة باتت على شفير الانهيار! لكن اليوم صار مستساغاً أن يترك مخرج مسلسله في منتصف التصوير، ويلحق بحلمه في الهجرة إلى كندا من دون أن يرفّ له جفن على مستقبل مشروعه الفني. سبق أن فعلها واحد من عرابي المسلسل التلفزيوني السوري وهو حاتم علي مع رفضه أن يكمل العمل عنه مخرج آخر ، والنتيجة كانت فشل مسلسله «اوركيديا» (كتابة عدنان العودة). مع ذلك، يبدو أن مخرجي التلفزيون أخذوها عادة! وها هو الأردني محمد لطفي يكرر التجربة ويترك مسلسل «الساحر» (قصة: سلام كسيري، سيناريو وحوار: حازم سليمان وإخراج لطفي، تولّاه عنه عامر فهد، بطولة عابد فهد وستيفاني صليبا).
طيب، ماذا عن الإيمان بالمشروع، والرؤية البصرية، وحمل راية العمل؟ ماذا عن الحماس، أليس هو عدو الملل الأزلي! وماذا يفرق المخرج في هذه الحالة عن موظف ديوان محافظة ريف دمشق مثلاً، مع الاحترام الهائل للأخير وعمله المتلاحق بوضع الأختام برتابة قصوى، وإعطاء أرقام للمعاملات بشكل دوري بصيغة لا تحتاج أدنى أشكال الإبداع! الملفت أن يمر مثل هذا الخبر على الإعلام بهدوء وسلاسة من دون أن يسجل أحد أي موقف نقدي من الكارثة الفنية التي بات حدوثها أمراً بسيطاً!
قديما قالوا: رحلة الاستكشاف الحقيقيّة لا تستلزم الذهاب إلى أراض جديدة، بل تستلزم الرؤية بعيون جديدة! على أن يعني ذلك شيئاً لمخرجي التلفزيون في زمن يجوز فيه كلّ شيء!