حاول المخرج المسرحي ياسر دريباتي قبل أيام ممارسة اختصاصه في النقد المسرحي عبر صفحته على فايسبوك. خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 1989، كتب منشوراً نقدياً عن إحدى المسرحيات التي عُرضت أخيراً على خشبة المسرح القومي في مدينته اللاذقية.وتحت عنوان «المسرح الهزيل»، انتقد دريباتي مسرحية «كلب الآغا» (تأليف ممدوح عدوان، وإخراج فايز صبوح). وفي مستهل منشوره، قال دريباتي إن هذه المسرحية ذكرته بصديقه الراحل فرحان الخليل، «بصخبه وتمرده، وهو المسرحي حتى العظم والخارج عن المألوف المسرحي وخاصة في اللاذقية، هذا المألوف الذي يحوّل المسرح القومي إلى مفرخة للأميين وأشباه الفنانين، ويقتل روح الاختلاف والمغايرة والسؤال، مسرح يفتح أبوابه لموظفيه فقط».
وأضاف دريباتي أنه وصديقه الراحل كانا اتفقا على إنشاء صفحة فايسبوك تحمل عنوان «المسرح الهزيل»، مما يجعل من هذه الصفحة حاجة للمسرح وأهله في غياب أي مواكبة نقدية، حسب وصفه.
دريباتي أكد أن العرض المذكور «عجّل بتفاهته من وفاة صديق آخر هو الفنان الرقاوي الجميل فواز الجدوع الذي لم يحتمل تفاهة العرض وغادر بروفاته وترك أداء شخصية زلمة الأغا ليلعبها المخرج نفسه. شخصية استخدمت لهجة فواز ابن الجزيرة الأنيق بكثير من الخفة والتهريج اللذين يدفعان المتفرج للتساؤل: أين الاحترام لشخصية الممثل الراحل! وماذا يعني إهداؤه عرضاً يسخر من شخصيته ومن لهجته، كما سخر أيضاً من اللهجات الأخرى عبر استخدامها كمادة للإضحاك!».
واعتبر دريباتي في منشوره أن مسرحية «كلب الأغا» هي «عرض مسرحي هزيل لم يقوَ على طرح النفاق الاجتماعي والسياسي لحكاية ممدوح عدوان، وغرق في نفاق مسرحي يطرح سؤالا كبيرا أمام مديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي في اللاذقية».
دريباتي الذي أخرج مسرحية «الملك هو الملك» لسعد الله ونوس، ختم منشوره متسائلاً «كيف يحظى هكذا عرض برعاية وزير الثقافة؟ وكيف وصل إلى خشبة المسرح القومي في اللاذقية!».
ويبدو أن منشور دريباتي تخطى حدود العالم الافتراضي، ووصل إلى الشرطة القضائية في محافظة اللاذقية، التي تحركت وأوقفت المخرج المسرحي بتهمة «القدح والذم»، بتوجيه من النائب العام في اللاذقية (وهو على صلة قرابة بصاحب الشكوى). وكنوع من «التأديب» أعطى النائب العام تعليماته لقاضي التحقيق بتأجيل البت بموضوع الفنان دريباتي إلى اليوم (الإثنين) بدلاً من الأمس. أما مديرية المسرح القومي في اللاذقية صاحبة العلاقة بالموضوع، فتعيش في وضعية «الصامت» حتى الآن، في حين قال مقربون من المخرج الموقوف إن رئيس اتحاد الصحافيين السوريين موسى عبد النور بادر بالتدخل لمتابعة موضوع توقيف الناقد المسرحي.
وأكد شقيق المخرج دريباتي أن جهات حاولت التواصل مع العائلة بهدف «لفلفة الأمور» وعدم نشر الخبر في الصحافة، ووعدت بالإفراج عن شقيقه في حال تم السكوت عن الأمر، ولكنه رفض هذه المساومة «كي لا يصبح توقيف كل من يرفع صوته بالنقد لأي حالة فساد، ظاهرة عامة من قبل المتنفذين الذين يعتقدون أن باستطاعتهم تجاوز القانون وليّ أذرعه خدمةً لمصالحهم ومصالح أقربائهم».
ويعمل ياسر دريباتي حالياً مديراً لـ «البيت العربي للموسيقى» في اللاذقية، وقد أخرج العديد من المسرحيات منها «بلاد أضيق من الحب» لسعد الله ونوس، ومسرحية «الدب» لتشيخوف، كما أسس مهرجان «المونودراما» في مدينة اللاذقية.
ولاقى توقيف دريباتي موجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستهجن النشطاء هذه الممارسات، وتساءل بعضهم: هل أصبح إبداء الرأي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن، أم أن انتقاد مسرحية رديئة أصبح إضعافاً للشعور القومي، ووهناً لنفسية وعزيمة «الأمة»؟