ارتفعت أسعار الفائدة على الرهونات العقارية في أميركا، محفّزة القلق بين اللاعبين في هذا القطاع. الطلب على السكن سيتأثّر سلباً بهذا الأمر. وبالفعل، بدأت مبيعات المنازل تتدنّى، إذ سجّل مؤشّر سوق الإسكان في تشرين الثاني الماضي أدنى مستوياته ضمن فترة عشر سنوات.ليس مستغرباً أن تتمدّد أزمة التضخّم في أميركا إلى سوق العقارات. فالأموال التي جرى ضخّها خلال جائحة كورونا خلقت كتلة نقدية حرّة في ميزانيات المصارف. في وقتها، كانت أسعار الفائدة تقارب الصفر. توافر الأموال بكلفة صفرية، حفّز الإقراض والاقتراض. الطرف المقرض، أي المصارف، لديها الكثير من الأموال، بينما الطرف المقترض، أي الأسر والمؤسسات والأفراد، كانت لديهم قدرة كبيرة في الوصول إلى أموال «مجانية» أو «شبه مجانية»، وقد اتجه قسم كبير من القروض نحو القطاع العقاري، ما غذّى هذه السوق العقارية خلال الجائحة.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

كان كل شيء يبدو طبيعياً في ظل وفرة النقود، لكن مع أولى «ضربات» رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخّم، بدأت تظهر حقائق مختلفة. فالفائدة على السندات الأميركية، باعتبارها فوائد مرجعية للسوق، رفعت أسعار الإيداع والاقتراض من المصارف التجارية أيضاً، ومعها ارتفعت أسعار السلع والخدمات. وبنتيجة ذلك، أصبح الاقتراض مكلفاً بشكل مزدوج. فقد ازدادت كلفة سداد دفعات القروض على الأسر، بينما القدرة الشرائية لهذه الأسر انخفضت وباتت تخصص نسبة أكبر من مداخيلها لتمويل حاجاتها الأساسية. هكذا انخفض الطلب على القروض الإسكانية، وبالتالي على العقارات. ففي شهر تشرين الأوّل الماضي، بلغ معدّل الفائدة على القروض الإسكانية لفترة 30 سنة، نحو 7%، مقارنة مع 3% في مطلع هذه السنة. وبحسب الاقتصادية في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين ناديا إيفانجيلو، فإن فروقات معدل الفائدة تساوي ألف دولار شهرياً.
انخفاض مبيعات المساكن يعدّ مقدمة لمشكلة آتية. فالأسعار ستنخفض، وستنعكس الأزمة في القروض المصرفية العقارية، أي في ميزانيات المصارف. فعلى سبيل المثال، الأسر التي أخذت قروضاً لشراء منازل بأسعار مرتفعة، ستصبح غير مستعدة لإكمال دفعاتها إذا انخفضت أسعار منازلهم إلى ما دون قيمة قروضهم. هذا يعني أن الكثير من الأسر ستتخلّف عن دفع قروضها، وبالتالي ستزيد خسائر المصارف التجارية الأميركية.
عملياً، كانت نقطة بداية أزمة عام 2008 مشابهة، حين ساهم خفض أسعار الفائدة في بداية الألفية في ارتفاع حجم القروض «الرخيصة»، ومع رفع أسعار الفائدة انخفض الطلب على العقارات وانخفضت الأسعار. اليوم يحصل الأمر نفسه، الفرق الوحيد هو أنه في ذلك الوقت كانت المصارف الأميركية قد سوّرت قطاع العقارات بحائط من الأوراق المالية التي يتخطّى حجمها حجم قطاع العقارات، وكان هذا الحائط هو سبب انفجار القطاع المالي كله. واليوم، ليس واضحاً إذا قد يتكرّر الأمر، إنما بات ثابتاً أن أيّ انهيار في سوق العقارات ستكون تبعاته غير قليلة على القطاع المالي الأميركي.