أميركا تسعى لإعادة صياغة العولمة
من سخرية الأقدار بالنسبة للولايات المتحدة أن يخرج مسار العولمة عن سيطرتها، وأن توظفه الصين لتتحول قطباً اقتصادياً واستراتيجياً منافساً لها. هي اعتقدت أن "اللحظة الآحادية" التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي ستتيح لها إمكانية ترسيخ وتأبيد هيمنتها على العالم، غير أن الديناميات الاقتصادية والسياسية التي تلت، أتت معاكسة لمشاريعها وخططها. كعادتها، تلجأ للأداة العسكرية في محاولة يائسة للحدّ من انحدارها، مع ما يترتب على هذا الأمر من مخاطر على الأمن العالمي، في ظل التحوّلات التي طرأت على موازين القوى الدولية. المفكر العربي علي القادري، الذي أوضح في العديد من إسهاماته، الطبيعة الحربية والتدميرية للتراكم الرأسمالي المعاصر، رأى في مقابلة مع "رأس المال" أن المواجهة الدائرة في أوكرانيا تندرج في سياق مسعى واشنطن للتصدي للبناء الأوراسي وإعادة صياغة عولمة تتناسب ومصالحها

ماهي تداعيات المواجهة الدولية الدائرة على الساحة الأوكرانية على مسار العولمة؟ هناك من يعتقد أن هناك عملية فسخ للشراكات الاقتصادية بين القوى الكبرى بدأت قبل هذه الحرب إنما هذه الأخيرة تسرعها، وتتلازم مع تشكّل لتكتلات اقتصادية تمثل انتقالاً إلى نوع من الأقلمة؟
- اشتدّت وتيرة العولمة ومعدّلها بعد عام 1990، وصرنا نشهد انفتاحاً اقتصادياً واسعاً، إذ زادت معدلات التبادل التجاري ليصبح 3 أضعاف معدّل النمو في العالم. في الوقت نفسه، إن معدّل التدفقات المالية النقدية في العالم زاد بشكلٍ كبير، وجميعها بالدولار الأميركي. ما يعني اتساع خريطة الدولار النقدية والثروة الأميركية، لأن كل ما هو منقّد بالدولار هو جزء من الثروة النقدية الأميركية. وبما أن العالم أجمع بحكم القانون وبحكم الواقع مدولر، بالتالي تتحكم به الولايات المتحدة الأميركية إلى درجة كبيرة، فإن دولرة العولمة كانت مهمة جداً. لكن ما حصل أن العولمة لم تسر كما رسمت لها أميركا، لأن الصين ركبت قطارها بقدرة دولةٍ سيادية. لم تبع سيادتها مقابل تجارتها. بل باعت واشترت من دون أن تفتح حساب رأس المال (حسابات الدولة الخارجية). لديها قانون «كابيتال كونترول» وهو أهم ما يمكن أن تفعله أي دولة للتحكم بتسرّب رأسمالها إلى الخارج. ورأس المال هو مخزون القيمة والثراء.
كانت أميركا مستفيدة جداً من العولمة، ثم أتت الصين وغيّرت المعادلة لأنها دولة سيادية. اليابان مثلاً، كانت مستفيدة من التبادل التجاري بينها وبين أميركا وكان لديها فائض كبير، إنما أميركا شعرت بأن فائض اليابان صار يؤثّر عليها ما دفعها إلى جمع رؤساء المصارف المركزية في فندق «بلازا» في نيويورك لتبلغ رئيس المصرف المركزي الياباني أن عملة بلاده منخفضة جداً وعليه رفع قيمتها. وفي عام 1985 رفعت اليابان عملتها، ومذاك يسجّل معدل النموّ الاقتصادي لديها بين 1 في المئة و2 في المئة فقط، ولا يأتيها سوى إيرادات بسبب العملة والثراء الذي راكمته في الفترة السابقة. غير أن أميركا لا تستطيع تكرار الأمر نفسه مع الصين علماً بأن لأميركا مع الصين عجزاً تجارياً. إذ ليس في مقدورها الطلب من الصين رفع قيمة اليوان كونها دولة ذات سيادة. وكذلك لا تستطيع الطلب من الصين فتح سوق المال لتهريب الثروة الصينية نحو الدولار، لأن الصين وضعت قيوداً على العولمة واستفادت منها في الآن عينه.
العولمة أدخلت الصناعة إلى الصين، وبما أنه لدى الصين قدرة استيعاب عالمية عالية جداً بسبب اشتراكية ماوتسي تونغ، استطاعت استيعاب المعرفة وتقنية الإنتاج وجعلتها جزءاً من العملية المعرفية التي تُعيد الإنتاج الخاص بها. الصين تطوّرت بشكلٍ سريع واستطاعت أن تكون سبّاقة في بعض المجالات على أميركا في فترة وجيزة من الزمن. ومن المعروف أن النمو الصيني شبه معجزة على المدى التاريخي.
العولمة أدخلت الصناعة إلى الصين التي استطاعت استيعاب المعرفة وتقنية الإنتاج وجعلتها جزءاً من العملية المعرفية التي تُعيد الإنتاج الخاص بها


أميركا استفادت سابقاً وتخسر اليوم بسبب العولمة. وفيما كان الغرب يستفيد من العولمة بجني الأموال وزيادة استهلاكه بأموال الغير، ربطت الصين نفسها بالجزء اللاواعي لتطور رأس المال، وفي جزءٍ منه يقول: السعي للتمسّك بالقدرات الإنتاجية غير المكلفة. في المقابل، إن كلفة الإنتاج في الصين كانت متدنية جداً، ليس لأن العامل فقير، بل بسبب فائض الإنتاج الزراعي من جهة، وكلفة المعيشة الرخيصة (الأكل والمشرب والسكن والطاقة مؤمنة بشكل شبه مجاني). ومع قدوم الشركات، وجدت هذه الأخيرة يداً عاملة صينية رخيصة وقدرة تأقلم معرفية عالية، وأصبح لديها إدمان على الإنتاج من الصين، إلى أن بات هذا البلد يسمى بـ«مصنع العالم» وينتج جزءاً كبيراً من استهلاك العالم. مع مرور الوقت ربطت الصين نفسها بعالم أجمع عبر شراكة الإنتاج.
المشكلة إذاً هي الصين. وأميركا تدرك ذلك. ولضرب الصين والسيطرة على أوراسيا وتالياً «السيطرة على العالم»، استضعفت روسيا وتحاول هزمها عبر أوكرانيا أملاً بالسيطرة على أوراسيا. العولمة سيف ذو حدين؛ فقد أعطت الغرب الكثير على صعيد الربح السريع، لكن على صعيد اللاوعي كانت الصين تزداد أهمية. ولقد استدرك الغرب متأخراً هذا الأمر بينما هو عاجز عن إيقافها. لا بل إن الصين مشبكة بالاقتصاد الأميركي إلى حد لا يقدر الاقتصاد الأميركي على إيقافه. الغرب وأميركا لا يريدان التخلّص نهائياً من العولمة إنما يريدون التخلّص من العولمة التي جعلت الصين أقوى. الشرط الأميركي الأوّل على الصين هو رفع القيود عن حساب رأس المال إفساحاً في المجال لهروب ملايين اليوانات من المصارف الصينية إلى أميركا واستنفاذ القيمة والثراء الصيني. يريدون خلق عولمة جديدة تكون الصين فيها ضعيفة. والحرب على روسيا هي بالطبع من أجل فكّ التحالف بين الصين وروسيا للسيطرة على أوراسيا كمركز نفوذ، لذلك استهدفوا روسيا واهمين بأنهم يستطيعون إزالتها عن الخريطة، بينما روسيا في حالة دفاع عن الذات.

لا تستطيع واشنطن وقف صعود الصين إلا بالحرب؟
- عملية التراكم الرأسمالية هي بحد ذاتها عملية التراكم الحربي. الحرب صناعة وتراكم. تصنع قتلى ولهم سعر. الحرب هي الأساس في الدورة الاقتصادية الرأسمالية. هي الأساس والنهاية لعملية التراكم. لذلك يصبح من الضروري على الغرب أن يحارب. الحرب في الظرف التاريخي هذا هي وسيط يحلّ كل مشكلات التفاوت التي تحصل بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج في الرأسمالية. وكما أن العولمة هي تكثيف للإمبريالية، فإن نظرية الإمبريالية هي الحرب، وكان من المستحيل عدم الهجوم على روسيا.

ماذا يعني أن الحرب هي أساس عملية التراكم؟
- معناه أن الحياة الرأسمالية هي للتمدد والتوسع. توسّع السلعة هو توسّع الحرب. توسع التجارة هو توسع الحرب. توسع الصناعة الحربية يعني توسع التجارة الحربية. على قاعدة كل صناعة مقرونة بتجارة. عندما تحاربهم روسيا يعني أنها تحارب الثقل التاريخي وفائض القيمة التاريخية والأفكار التي زرعها الغرب على مدى 500 سنة. وهذه الأفكار تجعل الناس تقوم بما يريده الغرب من دون أن يطلب منها هو ذلك. فعلى سبيل المثال في لبنان، هناك من يطرح حلولاً على يمين البنك الدولي ويمين صندوق النقد وهذا جزء من الثراء الأيديولوجي والثقل التاريخي الذي يجب أن نتحرّر منه. روسيا تحارب الثقل التاريخي وهو فكر تاريخي سائد ونتائجه نراها من خلال الكوارث التي تفتعلها أميركا كوريث للكولونيالية الغربية.
حرب روسيا ضد حلف «الناتو» في أوكرانيا هي حرب ضدّ الثقل التاريخي. أي انتصار روسي هو تفكيك لمنظومة الأفكار التاريخية التي تشرّبها الكون وتجعل العالم يعمل لصالح رأس المال. بمعنى آخر يصبح العمل شكلاً من أشكال رأس المال وليس نقيضه.
الأزمة كبيرة وللمرّة الأولى الغرب يتحدث عن أزمة وجود. يدرك ذلك لأن الروس تمكنوا من عزل التأثيرات التي تتصل بحرب الاستنزاف، إذ أصبح اقتصادهم، إلى حدّ كبير، اقتصاد عسكرة يستفيد من الحرب واستمراريتها. وقوع الغرب في العجز لم يكن أمراً وارداً، بل نمواً في الحرب بعكس الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان ينظر إلى التسلّح كعملية استنزاف للقدرات الداخلية.

الحرب هي الأساس في الدورة الاقتصادية الرأسمالية وهي النهاية لعملية التراكم


يريدون عولمة جديدة وهو أمر صعب تحقيقه. العالم على المحك والغرب لديه مشكلة طاقة في أوروبا. وهناك يمين متطرّف أيضاً في أوروبا في ظل غياب اليسار الغربي واحتواء الماركسية والفكر الثوري. في الوقت نفسه، يتطوّر رأس المال الأوروبي والأميركي نحو الفاشية، وهي الحالة المثالية لرأس المال الذي ينضج ويصبح في أحسن حالاته، إذ إن الدولة عندها تصبح محكومة كلياً بمصالح رأس المال. هنا تحديداً يكمن الخوف من قلب المعادلة لمصلحة أميركا تخلق فاشية في أميركا وفي أوروبا. والفاشيون عادة يلجأون إلى الحرب كعملية توسيط للنزاع والحرب. وأي ضرب من الغباء يضعنا أمام حرب كونية. السبب الرئيسي لذلك هو قدرة الليبرالية الغربية على احتواء الفكر الثوري اليساري. ليس هناك اليوم فكر ثوري يساري قادراً على فهم ما تفعله أوروبا وأميركا في روسيا. الحصار يمكن أن يؤدي إلى ظروف كارثية. الحرب الكونية ممكن أن تنشأ على أساس اللاوعي التاريخي المنتج لفاشية قادرة على التحدث بنفس السلعة. الفاشية هي أكثر نسب التشييء، أي أنه في ظل الفاشية الناس تتماثل بالسلع وبفكر السلع. تغيير المعادلة يُلزمها ضرب قدرات الصين ومحو روسيا لإضعاف الصين وهو أمر صعب.

قد تكون إحدى أبرز نتائج الحرب في أوكرانيا هي إظهار تحكم الاعتبارات السياسية والجيوسياسية في الاقتصاد لدى الأطراف المتقابلة. كقرارات الأوروبيين بوقف الاعتماد على الطاقة والغاز الروسيين حتى لو كانت العملية مكلفة، ومثل العقوبات بحق روسيا رغم أكلافها على الغرب. الأمر نفسه ينطبق على قرار روسيا بالمواجهة. ثمة من اعتبر أن تدخل روسيا عسكرياً في أوكرانيا مستحيل بسبب تشابك مصالحها الاقتصادية مع بلدان الغرب، وظن هؤلاء أن الاقتصاد يُحكم السياسة وليس العكس. فهل يمكن الاستنتاج بأن الاعتبارات الجيوسياسية هي التي تحكم سياسات الدول وتدفعها نحو إعادة النظر في الحسابات الاقتصادية وما يفترض أنه مصالح اقتصادية هامة، ليصبح الصراع على الهيمنة هو الصراع الجوهري؟
- رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي قاد الحرب على العراق تحدث عن خطورة صعود الصين، مشيراً إلى أنهم يشكّلون جزءاً من تركيبة القوى الغربية التي إذا اهتزت، تهتزّ قوة أميركا. الغرب واعٍ لأولوية السلطة والسياسة، ومن يتحدث بمنطق اقتصادوي لا يؤخذ على محمل الجد. أما اليسار الغربي فهو تافه ويشوّه صورة النقيض للثقل التاريخي، ونحن يهمنا في عملية الصراع الدائرة أن تتغير موازين القوة لتصبح آفاق التطوّر واسعة من خلال الممارسة التي تحصل. فلاديمير بوتين تصرّف بشكل يدل على أن هناك نوعاً من العضوية والانتماء لبيئته ولمصالح الشعب. ويهمنا فكّ الثقل التاريخي لأن الناس اعتادت الهزيمة وتظن أن لا حلول إلا من خلال الأطر التي يضعها الغرب، وأنها غير قادرة على النهوض بنفسها لأسباب غير صحيحة أبداً.
لا تصوّر لحل المشكلة، كل ما هناك حالياً هو نوع من الاستقطاب. معظم العالم مستاء، إضافة إلى اضمحلال صورة أميركا في الخارج وصورة أوروبا. ثقل الصين وأفعالها يغيّران موازين القوة الدولية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وفي منطقة الشرق الأوسط إلى حدّ كبير. هناك تغيير والمرحلة السابقة آفلة. يبقى الخوف من حدوث حرب كونية وهذا هو الإرهاب الغربي بحد ذاته.

كثير من التحليلات تعتبر أن الحرب ونتائجها تسرع الانحدار الأميركي، كما أدّت حروب أميركا السابقة في أفغانستان والعراق إلى تسريع الانحدار بدلاً من تجديد الهيمنة الأميركية العالمية. وفي هذا السياق هناك اعتقاد بأن أهم النتائج المباشرة للحرب الدائرة حالياً والعقوبات ضدّ روسيا، تكمن في تهديد مكانة الدولار كعملة احتياط، علماً بأنه في القمة الأخيرة للبريكس تحدث الرئيس بوتين عن ضرورة تشكيل سلّة عملات بديلة من الدولار. إلى أي مدى يعدّ هذا الأمر جدياً بين أطراف وازنين؟
- هناك أولوية للسياسة دائماً وقالها توني بلير. لكن القوّة لها عدّة أشكال مرئية وغير مرئية، وأهمها الثقل التاريخي الذي يخلق سكة للفكر ويؤدّي إلى الغاية والهدف ذاته الذي يريده الغرب من دون خلق بدائل تاريخية على الصعد كافة. من أجل ذلك يقاتلون للحفاظ على السيطرة. أميركا وأوروبا يسرّعون في نهايتهم عبر فكّ مسألة الطاقة عن روسيا. وإضافة إلى ذلك هناك تحولات دولية نشهدها في أميركا اللاتينية حيث هناك نوع من التفكك عن أميركا. صحيح أنهم حاصروا روسيا، لكن نتائج ذلك أقسى عليهم مما هو على روسيا. كما أن التجارة الخارجية مع روسيا انخفضت، وازدادت التجارة الخارجية بمقدار أكبر مع الصين ودول أخرى، ما يعني أن هناك استقطاباً. العولمة الجديدة هي عالمان، والحرب الباردة خُلقت تقريباً مجدداً لكن بموازين مختلفة عن السابق. فيها الصين وهي أكبر من الاقتصاد الأميركي بالقوّة الشرائية الحقيقية، كذلك الصين أكبر من أميركا بمرّة ونصف. أما بالأسعار الاسمية، فإن أميركا أكبر بجزء بسيط، لكن على صعيد الأسعار الحقيقية والثراء الحقيقي والقدرات الشرائية الصين أضخم بكثير من المنظومة الغربية كلها لأن فيها ثراء وقدرات ونشاطاً اقتصادياً هائلاً. لذا إن مشكلة الثقل الذي تشكّله الصين حالياً يغيّر موازين العالم وبدأ العالم كله يستفيد منه.
أميركا لم تعد بتلك الصورة اللماعة وتحديداً بعد الكوفيد، ومن المستبعد أن يتمكنوا من فرض شروطهم. المشكلة في أوروبا وأميركا أن هناك كماً هائلاً من المديونية، ومعظم الشركات الموجودة على البورصة هي شركات أميركية صحيح، لكن بأسعارها المستقبلية وليست الفعلية. كله رأس مال خيالي. رأس المال هو أساساً علاقة اجتماعية خيالية مبنية على تناقض العمل. الشركات الأميركية تظهر كأنها كبيرة، بينما هي فعلياً شركات كبيرة لأن مديونيتها على المستقبل البعيد كبيرة. الاقتصاد المالي يركض ويتسارع ويتراكم أكثر من الاقتصاد الحقيقي وهذه فقاعة أكبر بكثير من فقاعة 1929، المشكلة أن كل فائض الإنتاج العالمي والمدخّرات العالمية موجودة بالدولار، ولا مصلحة بضرب الدولار، وفي الوقت نفسه إن الدولار يضرب نفسه بمديونيته العالية جداً. وبما أن الدين يجب أن يُدفع، ويتطلب نقداً جديداً لسداد الفوائد القديمة، فإننا نشهد إصداراً لمديونية جديدة لسدّ المديونية القديمة. تماماً كما حصل في لبنان. الظرف صعب جداً في ظل احتمال حرب كونية وفقاعة اقتصادية.
استراتيجياً يهمنا في الشرخ الكبير الحاصل ما بين القطبين، أن العالم الثالث سيرتاح. أوروبا مثلاً، تريد استثمار 600 مليار دولار في برنامج للمضاربة على طريق الحرير الصيني، كما كان العالم يستفيد عندما كانت أميركا تضارب على الاتحاد السوفياتي. وعندما يقول الأوروبيون ذلك، فهذا يعني أن استثماراتهم وطريقة إنتاجهم تدميرية وليست بنّاءة. الصين تبني سدّاً أو طريقاً أو مطاراً تستفيد منه على المدى البعيد، وتفيد الناس أيضاً. بينما أي دولة تعطيها أميركا وأوروبا مساعدة، سواء كانت مساعدات عسكرية أو عبر منظمات غير حكومية، وتركيب أفكار، فإنها تخدم تدمير المجتمع وإجهاض أي فكر ممكن أن يقوّي السيادة الوطنية. عملية التدمير بحدّ ذاتها تصبح عملية إنتاج. القتل والدمار هو المنتج، لأن الاقتصاد الكلّي يعيد إنتاج ذاته بمديونيته. كذلك عملية التدمير في العالم الثالث. الرأسمال الغربي يحب الأرباح السريعة، ودورة رأس المال بدلاً من أن تأخذ سنوات تنتهي بأشهر. الدورة النقدية سريعة جداً وتحتاج إلى دورة اقتصادية حقيقية تقلب بسرعة، لذلك يخلقون الدمار.