يتوقّع مايكل بوري (الصورة)، أحد أشهر المستثمرين في وول ستريت، أن الاقتصاد الأميركي مشرف على أزمة كبيرة في المستقبل القريب. اكتسب بوري شهرته بعد توقّعه للأزمة الماليّة التي ضربت أميركا وانتشرت حول العالم في عام 2008. يومها، توقّع بوري انفجار فقاعة قروض العقارات منذ عام 2005، وراهن على انفجارها، وعندما انفجرت كسب الكثير من الأرباح. هذا ما جعل بوري من الأصوات المسموعة عندما يتعلّق الأمر بالأسواق الماليّة.
المصدر: taskforceeducation.com

يقول بوري إن تحفيز النمو من خلال «المال السهل»، أي خفض معدلات الفائدة إلى ما يقارب الـ0%، يزيد من توسيع الفجوة في الثروة، أو اللامساواة. وهذا الأمر يسهم في صعود شعبيّة الحركات السياسيّة المتطرّفة. في المقابل، ومع ارتفاع معدلات التضخّم والمستويات المنخفضة لمعدّلات الفائدة، يرى بوري أن العالم متّجه نحو معدّلات فائدة حقيقيّة سالبة. معدلات الفائدة الحقيقيّة، هي معدل الفائدة الموجود يُطرح منه معدل التضخم. ففي حال كان معدّل التضخم أكبر من الفائدة في السّوق، تصبح معدّلات الفائدة الحقيقيّة أقل من 0%. يقول بوري إن هذا الأمر يُعدّ مؤشراً غير صحّي بالنسبة إلى الأسواق الماليّة لأن الفائدة هي أداة يتم من خلالها احتساب المخاطر. لذا في البيئة الحاليّة، هذه الأداة غير فعّالة. يضيف بوري أن هذا الأمر يشكّل ضغوطاً على النظام المالي، وأن أي خلل يحدث سيؤدي إلى أضرار كبيرة.
عملياً هناك العديد من العوامل التي ساهمت في حدوث هذا الأمر. البداية كانت مع أزمة كورونا التي دفعت كل الدّول إلى خفض معدلات الفائدة، وعلى رأس هذه الدول كانت الولايات المتحدة الأميركيّة. تزامن هذا الأمر مع خلق كميات هائلة من الأموال، وطباعة نحو تريليوني دولار وضخّها في السوق. هذا ما يعنيه بوري بـ«المال السهل»، أي توافر الأموال في الأسواق من دون كلفة تقريباً (مع معدلات فائدة قريبة من 0%). هذه الأموال لم تُترجم كلها إلى طلب في الأسواق بشكل فوري. فبسبب الجائحة والإقفالات التي تلتها كانت فرص الاستهلاك أقل.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

وبشكل واضح، ازدادت بشكل قياسي معدلات الادّخار لدى الأسر الأميركية خلال الجائحة. كما أن جزءاً كبيراً من الأموال التي ضُخّت في السوق اتجهت إلى الأسواق المالية ما انعكس ازدهاراً في أسواق الأسهم وفي أسواق العملات المشفّرة.
في المقابل، فإنه خلال جائحة كورونا، حدثت مشكلة في سلاسل التوريد تتعلّق بنقص في حاويات النقل. هذا انعكس على مستويات العرض في السوق. ومع تقدّم الوقت بدأت الأموال التي دخلت إلى حسابات ادّخار الأسر في الأسواق الماليّة بالتسرّب إلى الأسواق الفعليّة، ما زاد الطلب بشكل كبير، في مقابل تراجع في العرض. أدّى ذلك إلى ازدياد معدلات التضخّم في النصف الثاني من عام 2021.
يعتقد بوري أنه مع ارتفاع معدلات التضخم والمستويات المنخفضة لمعدّلات الفائدة يتّجه العالم نحو معدّلات فائدة حقيقيّة سالبة

وفي 24 شباط 2022 بدأت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، التي أثّرت بشكل كبير على الأسواق. فمن ناحية ارتفعت أسعار النفط والغاز ترقباً للعقوبات على روسيا (أكبر مصدّر للغاز وثالث أكبر مصدّر للنفط). كما تعرّضت سلاسل إنتاج وتوريد المواد الغذائيّة لضربة قاسية. أولاً لأن روسيا وأوكرانيا مصادر أساسية لهذه المواد. وثانياً، وبسبب حالة الترقب للأحداث، بدأت الدول بالحدّ من تصدير المواد التي تنتجها تحسّباً لحاجاتها المستقبليّة لها. كل هذه الأمور ساهمت في انخفاض العرض في السّوق، وأدّت إلى زيادة الأسعار وبالتالي ارتفاع معدلات التضخّم.
تزامن معدّلات التضخّم المرتفعة مع معدلات الفائدة المنخفضة، هو ما يتحدّث عنه مايكل بوري. فبالنسبة إليه، وجود معدل تضخّم مرتفع ومعدّلات فائدة منخفضة، يعني أننا نعيش في بيئة فيها معدلات حقيقيّة سلبيّة، وهو ما يؤشّر إلى أزمة كبيرة قادمة.