عالمياً، يتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وأن يزداد الجوع. روسيا وأوكرانيا، حيث مسرح الحرب، هما من أكبر الدول المصدّرة للحبوب والزيوت النباتية. وحدهما ينتجان نحو 30% من كميات القمح المنتجة عالمياً، فيما تُعدّ أوكرانيا رابع أكبر مورّد للقمح والذرة في العالم. الحرب ستُعيق إنتاج هذه الحبوب وتُعيق توريد بعض ما يُنتج أيضاً. هذا الأمر ينعكس في أكثر من منطقة في العالم، لكنّ الأكثر تضرراً هي شمال أفريقيا مثل مصر وتونس والمغرب وليبيا والجزائرتُعاني دول شمال أفريقيا، حالياً، من أسوأ جفاف منذ عقود، وبعضها لا يملك القدرة على توفير أغذية من مصادر محلية، وهي بالفعل على وشك المجاعة لأنها تعتمد على وكالات الإغاثة للحصول على القمح. وقد صنّفت الأمم المتحدة دولاً، مثل مدغشقر وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، بأنّها على شفا المجاعة وتحتاج إلى مساعدات غذائية طارئة.
خلال الموسم الزراعي 2020-2021، مثّلت أفريقيا - شمال وجنوب الصحراء – 36% من إجمالي صادرات القمح الأوكرانية. وسجّلت كينيا، التي تستورد معظم قمحها من أوكرانيا وروسيا، ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية في الأسابيع الأخيرة، ما أثار غضباً شعبياً متزايداً. وفي أماكن أخرى شرق أفريقيا، يواجه مستوردو القمح من منطقة البحر الأسود، ظروفاً اجتماعية وسياسية شديدة التقلّب يمكن أن تتفاقم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. فعلى سبيل المثال، زاد السودان كمية استيراد القمح من روسيا بدلاً من استراليا، وفي الأشهر الأخيرة التي سبقت الحرب الروسية - الأوكرانية، ارتفعت أسعار التجزئة للقمح ودقيق القمح بسبب الحصار الذي فرضه المحتجون على الواردات من بورتسودان ما انعكس مباشرة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تُراوح بين 100% و200% في المتوسط مقارنة مع السنة الماضية. وفي السودان، حيث تتشابك السياسة بشدّة مع سعر الخبز، فإن ارتفاع أسعار القمح قد يحفّز التظاهرات في الخرطوم ضدّ السلطة العسكرية الحاكمة. أمّا في إثيوبيا، فالدولة تعتمد على الاستيراد لتغطية 25% مِن الطلب المحلي للقمح، علماً بأنّ أوكرانيا تُعدّ أكبر مصدر للقمح بعد الولايات المتحدة، وبالتالي فإنّ ارتفاع الأسعار سيُفاقم المستويات المرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الناتج من الحرب الأهلية في إثيوبيا.
الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا تمثّل فرصة لبعض بُلدان القارة الأفريقية لتصدير النفط والمعادن


القمح والذرة ليسا فقط، العامل المقلق عندما يتعلق الأمر بتداعيات الحرب على أفريقيا ومواطنيها. فارتفاع أسعار النفط سينعكس على كلفة النقل وسيضغط على أسعار السلع في جميع أنحاء القارة، ما يؤدي إلى دفع مزيد من الناس نحو أسفل خط الفقر. فقد سُجّل في جنوب أفريقيا ارتفاعٌ قياسيٌ في أسعار الوقود، وفي زامبيا، التي وافقت على خفض دعم الوقود من أجل الالتزام بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ستكون المشكلة مزدوجة مع هذه الأكلاف الباهظة للنقل وستُفاقم من نتائج الإصلاحات غير الشعبية أكثر ما كانت عليه بالفعل. كذلك الأمر في نيجيريا التي تسعى للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكنها تراجعت الشهر الماضي عن خططها التي كانت تقضي بخفض دعم الوقود على إثر احتجاجات مخطّطة من النقابات العمالية وأحزاب المعارضة.
مصر أيضاً تواجه صدمة أمن غذائي. فهي تستورد 70% من إمداداتها من القمح الروسي والأوكراني، فضلاً عن ارتفاع فاتورة استهلاك الطاقة، إلى جانب انعدام السياحة الروسية التي يعتمد عليها القطاع السياحي المصري بشكل أساسي إلى جانب السياح الأوكران وسائر بلدان شرق أوروبا.
رغم حدّة هذه الصدمة، إلا أنّ روسيا تُعد شريكاً تجارياً صغيراً لأفريقيا. ففي عام 2020 كانت 8.1% من إجمالي تجارة ملاوي مع روسيا، تليها أوغندا بنسبة 7.2%، والسنغال 4.4%، والنيجر 4.1%، وجمهورية الكونغو 4%، ما يعني أنّ موسكو تمثّل ما بين 2% و3% فقط من تجارة أفريقيا مع العالم غالبيتها صادرات روسيّة إلى جانب استثمار روسي مباشر في أفريقيا يقلّ عن 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا.
بهذا المعنى، فإنّ الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، تمثّل فرصة لبعض بُلدان القارة الأفريقية. مثلاً جنوب أفريقيا تُعد مُصدّراً للذرة، وهي ثاني أكبر منتج للبلاديوم بعد روسيا، ما يُتيح لها أن تستفيد من الطلب المتزايد على هذا المعدن. كذلك، قد تلعب القارة السمراء دوراً كمصدّر رئيسي للذهب. لا بل يمكن أن تلعب أفريقيا دوراً رئيسياً في سدّ فجوة إمدادات النفط والغاز إلى أوروبا التي ستقلّل من اعتمادها الواسع على روسيا. ويمكن أن تستفيد عدّة دول أفريقية من تنويع مصادر الطاقة الأوروبية مثل: السنغال التي قامت باكتشاف 40 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بين عامَي 2014 -2017. وأن تشرع نيجيريا، وهي بالفعل مورد للغاز الطبيعي المسال إلى العديد من البلدان الأوروبية، مع الجزائر، إلى تطوير خط أنابيب غاز عبر الصحراء والذي تُقدّر كلفته بـ13 مليار دولار، لزيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية. ويرجّح أن تكون أوروبا مموّلاً رئيسياً بما يعنيه ذلك من تحويل القارة السمراء في مواجهة روسيا.