أهمية الطاقة الكهربائية المولّدة من المياه أنها منخفضة الكلفة وغير ملوّثة للبيئة وللمحيط الجغرافي. فبواسطة تدفق المياه المخزّنة خلف السدود المائية العملاقة، استغلّت كميات المياه المتساقطة من علو شاهق لتحريك عنفات المعامل المثبتة أسفل السدود المائية. هكذا أنتج السدّ العالي في مصر منذ إنشائه عام 1969، نحو 2500 ميغاوات كانت تغطي حاجات مصر من الكهرباء. وبالطريقة نفسها أنتجت سوريا من سدودها الثلاثة القائمة على نهر الفرات نحو 1600ميغاوات من بينها 800 ميغاوات ينتجها سدّ الطبقة وحده. والصين تنتج حالياً نحو 22500 ميغاوات من سدّ «الأعناق الثلاثة» الذي وُضع قيد الاستثمار في عام 2012. أيضاً دشّنت إثيوبيا، حديثاً، سدّ النهضة العملاق بسعة 73 مليار متر مكعب والذي ينتج نحو 6000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية.في مقابل هذه الطاقة النظيفة، كان النفط والغاز الطبيعي مصدراً أساسياً لتوليد الكهرباء. وإلى جانب ذلك، فإنه منذ مطلع السبعينيات استُخدمت الطاقة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، فأنتجت اليابان في إحدى منشآتها النووية نحو 6965 ميغاوات، كما أنتجت كوريا الجنوبية نحو 6720 ميغاوات من الطاقة النووية أيضاً. غير أن هذه المصادر للطاقة الحرارية سبّبت كوارث بيئية وصحية قاتلة بما تطلقه من غازات سامة تجتاح البيئة الطبيعية التي يعيش في كنفها الإنسان وسائر الكائنات الحية فلوّثت الهواء والماء والغذاء أيضاً.
لكن التطوّر التكنولوجي، أتاح الحصول على مصادر أخرى لتوليد الطاقة الكهربائية صديقة للبيئة: طاقة الشمس، عصف الرياح. هذان المصدران توفّرهما الطبيعة بنسب متفاوتة في كلّ أنحاء المعمورة. فالشمس تحتلّ قبة السماء على مدار النهار والرياح تعصف في المجال الجوي على امتداد الليل والنهار وطوال أيام السنة. وأكثر البلدان استفادة من هذين المصدرين، هم العرب الذين يعيشون في محيط جغرافي تحتل فيه الصحراء نحو 70% من المساحة ولا تغرب الشمس عنه طوال أيام السنة. كما تهب رياح عاتية فوق جبال الأطلس والأوراس في أقصى المغرب العربي وعلى قمم جبل الباروك وجبل الشيخ وسلسلة جبال لبنان الشرقية والغربية وصولاً إلى جبال طوروس في أقصى الشرق.
فإذا استثمر العرب نصف ما لديهم من طاقة توفّرها الشمس والرياح لحصلوا بسهولة على كامل حاجاتهم من الطاقة الكهربائية، ما يتيح لبعضهم وقف هدر المياه النادرة في سبيل إنتاج كميات قليلة من الطاقة الكهربائية. وباستطاعة بعضهم توقيف المعامل الحرارية التي تبثّ السموم في سمائهم ومحيطهم الجغرافي فضلاً عن توفير الأكلاف الاستثمارية والتشغيلية الضخمة لهذه المعامل. في لبنان تُقدّر الكلفة التشغيلية بأكثر من 25 مليار دولار ثمناً لشراء كميات من الفيول والديزل مخصّصة لتشغيل المعامل فقط.
باستثمار قيمته 1 مليار دولار يمكن إنشاء مزارع شمسية على حوض القرعون وغابات مراوح على السلسلتين الشرقية والغربية


وقد لجأت بلدان عدّة حول العالم إلى استخدام الشمس والرياح كمصدر لإنتاج الطاقة الكهربائية. فمن أشعة الشمس أنتجت الصين نحو 3400 ميغاوات من ثلاث مزارع شمسية تغطيها صفائح من الألواح الزجاجية. ومن خمس مزارع مماثلة، أنتجت الهند نحو 4300 ميغاوات. وستنتج مصر وحدها نحو 4000 ميغاوات من مزارع شمسية في مشروع (ban ben) الصحراوي. وتحتل المغرب المرتبة الأولى بين الدول العربية التي نفّذت سابقاً مشروع noor الذي ينتج 2500 ميغاوات، وهي تتابع حالياً، مشاريع أخرى في الوجه الصحراوي للمغرب العربي. كما أنتجت أبو ظبي الغنية بالنفط والغاز 1177ميغاوات من حقل تغطي الألواح الزجاجية فيه مساحة تُقدر بنحو 8 كيلومترات مربعة، أي ما يعادل نصف مساحة بيروت تقريباً. وقد لجأت البلدان التي لا تملك مساحات واسعة من الأراضي إلى استخدام المسطحات المائية لإقامة مزارع شمسية، وأبرزها في تايلاند حيث يُنفّذ حالياً أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية بإنشاء مزارع شمسية على سطح سدّ مائي كبير تُستثمر مياهه في إنتاج الطاقة الكهربائية. وزُرعت الألواح على كامل مساحة بحيرة السدّ بإنتاج مقدّر بنحو 1000 ميغاوات. كذلك تكرّرت التجربة نفسها في سنغافورة.
أما في لبنان، فيمكن إنتاج 2000 ميغاوات من الطاقة الشمسية والرياح لتغطية ثلثي حاجات الاستهلاك من الطاقة الكهربائية، إذ إن لدى لبنان:
- شمساً مشرقة بانتظام على مدار تسعة أشهر من السنة.
- رياحاً شديدة يحتضنها مجرى هوائي دائم محصور بجدارين من الجبال العالية بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية.
يقوم المشروع الأول على استثمار الطاقة الشمسية بإنشاء مزارع شمسية من الألواح على مساحة 5 كيلومترات مربعة على أطراف بحيرة القرعون التي لا يتعدى الغمر فيها متراً واحداً. تنتج هذه الألواح نحو 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية.
ويقوم المشروع الثاني على استثمار الرياح عبر نشر «غابات» من المراوح على مساحة 18 كيلومتراً مربعاً، 9 كيلومترات منها على السلسلة الشرقية، و9 أخرى على السلسلة الغربية. تنتج هذه المراوح الهوائية على الجانبين نحو 1000 ميغاوات على الأقل.
تُقدّر أكلاف تنفيذ المشروعين بنحو مليار دولار أميركي موزّعة بقيمة 500 مليون دولار لكل مشروع. ولا يحتاج تمويل هذين المشروعين إلى التسوّل في أسواق المال التقليدية، ومن بينها خضوع لبنان لشروط البنك الدولي، أو لشروط صناديق التمويل العربية التي تشترط أن يتوقف لبنان عن مقاتلة إسرائيل لقاء إقراضه المال.
يمكن تمويل المشروعين محلياً على الشكل الآتي: إشراك المودعين بأسهم تؤخذ من ودائعهم ويتم استردادها من ثمن بيع الطاقة المولّدة في المشروعين. وإشراك أصحاب المولدات الخاصة الذين وظّفوا مئات ملايين الدولارات في مشاريع فاشلة وقد غادرها حالياً عدد كبير من المشتركين الذين تحولوا إلى الطاقة الشمسية. طبعاً الحصول على الأموال بالعملة الأجنبية هو الفكرة الأساسية، لكنها ليست عملية مستحيلة طالما أن مصرف لبنان ما زال لديه بعض من الاحتياطات بالعملات الأجنبية التي قد تُستعمل لتمويل هذه العمليات بدلاً من تبديد الاحتياطات على الدعم الاستهلاكي الذي يستنزف الاحتياطات.
إن تنفيذ هذين المشروعين يُعفي لبنان من الارتهان لشروط قانون قيصر، أو من الشروط التعجيزية التي يفرضها البنك الدولي لتمويل مشروع استجرار الطاقة من الأردن، أو لاستجرار الغاز المصري.
كما أن هذا النوع من الإنتاج أكثر أماناً من خطوط الكهرباء، ومن أنابيب الغاز التي تمرّ في مناطق لا أمان فيها أو أنها عرضة للتعدي. هذا عرض بديل من خطّة الكهرباء المقترحة والتي فشلت على مدى سنوات من تأمين التيار الكهربائي للمقيمين في لبنان. فما هو واضح لغاية الآن، أن المقيمين بدأوا ينفّذون هذه الخطة على حجمهم الصغير، أي تركيب الألواح على سطوح المباني والملكيات العائدة لهم في المدن والأرياف لإنتاج الكهرباء النظيفة والرخيصة ولتجنّب فواتير المولدات الخاصة الباهظة والتعرفات المرتقبة للكهرباء المنتجة لدى مؤسسة كهرباء لبنان أو المستجرّة من الخارج.

* مهندس ورئيس مصلحة سابق في مصلحة الليطاني