رفضت الحكومة أن تزيد موازنات مؤسّسات المياه في لبنان إلى 2550 مليار ليرة واكتفت بمنحها 300 مليار ليرة، أي 11% من الحاجات اللازمة للاستمرار في تقديم الخدمات بالشكل الرديء الذي هي عليه الآن.في عام 2019 تمكّنت مؤسسات المياه الأربع: بيروت، الشمال، الجنوب والبقاع، من جباية اشتراكات المياه بقيمة إجمالية تبلغ 103 ملايين دولار مقابل مصاريف تشغيلية بقيمة 137 مليون دولار، وبالتالي كان عجزها يبلغ 41 مليون دولار. هذه الجباية كانت على أساس تعرفة بمعدل يبلغ 320 ألف ليرة لكل مشترك في المتر المكعب سنوياً وسعر صرف يبلغ 1507.5 ليرات وسطياً لتغطية كلفة التشغيل والصيانة. أما اليوم، فإن هذه الإيرادات لم تعد توازي أكثر من 8 ملايين دولار ضمن فرضية أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار يبلغ 20 ألفاً. وفي المقابل ستبلغ النفقات التشغيلية لهذه المؤسسات نحو 107 ملايين دولار، أي أن العجز سيرتفع بنسبة 141% ليبلغ 99 مليون دولار. ورغم أن هناك جهات دولية تعهّدت بأن تغطي جزءاً من العجز بقيمة إجمالية تبلغ 22 مليون دولار، إلا أن الباقي البالغ 77 مليون دولار سيبقى على عاتق الدولة أو سيتم تحميله للمشترك في المزيد من رداءة الخدمات والتقنين.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

طبعاً، هناك خيار زيادة التعرفة. بحسب السيناريوهات التي أُعدّت لهذه الغاية في وزارة الطاقة، فإن زيادة التعرفة إلى معدل 970 ألف ليرة سنوياً للمتر المكعب ستخفض العجز بقيمة 15 مليون دولار ليبلغ 62 مليون دولار بعد احتساب تغطية الجهات الدولية. علماً بأن اشتراكاً سنوياً بهذا المستوى، يوازي مرّة ونصف مرة الحدّ الأدنى للأجور الساري لغاية الآن بلا تعديل، ويوازي نصف الأجر الوسطي المصرّح عنه للضمان الاجتماعي. بمعنى آخر، أكثر من نصف الأسر التي تقوم بأعمال مأجورة ستدفع نصف راتب من أجل اشتراك مياه بخدمة رديئة جداً وتقنين قاسٍ وستشتري المياه من خزانات الحيّ أو المنطقة لتغطية النقص في الحصول على مياه غير قابلة للشرب.
عملياً، تبيّن أن تغطية العجز للمؤسسات الأربع العاملة في لبنان، تتطلب أن تصبح التعرفة السنوية للاشتراك بمتر مكعب واحد على النحو الآتي:
- 5.3 ملايين ليرة لمشتركي مؤسّسة مياه لبنان الشمالي.
- 7.7 ملايين ليرة لمشتركي مؤسّسة مياه لبنان الجنوبي.
- 3 ملايين ليرة لمشتركي مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان.
6.4 ملايين ليرة لمشتركي مؤسسة مياه البقاع.
وعلى المدى الأبعد، فإن النفقات التشغيلية للمؤسسات، والقائمة بنسبة كبيرة على الكهرباء وكلف إنتاجها سواء من الدولة أو من المولدات الخاصة التي تحتاج إلى مازوت وصيانة، فإنها ستزداد بنسبة كبيرة. فمعدل الاشتراك الواحد لمشتركي المؤسسات الأربع والبالغ حالياً 320 ألف ليرة، سيتضاعف نحو عشر مرات. وهذا السيناريو يفترض أيضاً أن تتحسّن نسبة التحصيل والجباية للاشتراكات وأن ترتفع من 62% حالياً إلى 65% في 2023 ثم 80% في عام 2026، ويفترض كذلك خفض نسبة المياه غير المفوترة، أو التي تُعدّ هدراً. فالفوترة في هذه المؤسّسات تبلغ 54% في مؤسسة مياه الشمال، و95% في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، و52% في مؤسسة مياه الجنوب، و37% في مؤسسة مياه البقاع.
أصل المشكلة واضح، وهو ارتفاع الكلفة التشغيلية لهذه المؤسسات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. فالجزء الأكبر من الأكلاف التشغيلية هو للكهرباء والمازوت والصيانة وقطع الغيار وكلفة انتقال المستخدمين... وسواها. هذه الكلفة تضاعفت من 205 مليارات ليرة في عام 2019 إلى 2551 مليار ليرة كما هي مقدرة في عام 2022.
إزاء هذا الوضع، فإن ما قام به مجلس الوزراء هو الموافقة على كلفة تشغيل بنحو 300 مليار ليرة، ما يعني استمرار العجز في المؤسسات، ولا سيما تلك التي لم تزد بعد التعرفات (الجنوب، البقاع)، إذ أن مؤسستي المياه في بيروت وجبل لبنان والشمال قرّرت زيادة الاشتراك السنوي للمتر المكعب إلى 970 ألف ليرة. وإذا أخذنا في الحسبان أن كل المؤسسات زادت الاشتراك السنوي إلى 970 ألف ليرة، فإن العجز الباقي سيكون بحدود 62 مليون دولار أو ما يوازي 1240 مليار ليرة على سعر صرف 20 ألف ليرة. وهذا من دون احتساب الأكلاف السابقة المترتبة على هذه المؤسسات والبالغة 36 مليون دولار، ومن دون انتقال عملية تشغيل بعض محطات المياه من مجلس الإنماء والإعمار إلى هذه المؤسسات.
الحديث عن تطوير الخدمات في هذا القطاع وتحديث الشبكة وأي مشاريع مستقبلية لا يقع حالياً في محلّه، فالواقع هو البحث عن كلفة التشغيل فقط. لذا، يفترض أن يتحضّر اللبنانيون لأزمة مياه فوق زيادة التعرفات، لا يكون مصدرها الشحّ في الآبار.