تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نسب تلوّث هي من الأعلى في العالم. هناك مؤشرات عدّة تدلّ على هذا الأمر. فخلال العقود الماضية ازدادت الانبعاثات في المنطقة وتدهورت النّظم الإيكولوجية البريّة والبحرية وزاد التلوّث البحري ومعدلات حموضة المحيطات، كما أدّت الإدارة السيئة للثروة المائية إلى خلق أزمة في الموارد المائية. لهذه الأمور أكلاف كبيرة على الصحّة والاقتصاد في المنطقة، تتمثّل بالخسائر في الأموال والأرواح.بحسب تقرير صدر أخيراً عن البنك الدولي، فإن التأخّر في التنمية البيئيّة يقع تحت «دافع أنّ التقدّم الاقتصادي في هذه المنطقة مبني على إنتاج وتصدير النفط»، وهي عمليّة مُستهلِكة لرأس المال البيئي. ففي حين تتجه دول العالم إلى سياسات اقتصادية تحد من الانبعاثات، وتفصل بين التقدّم الاقتصادي والانبعاثات الملوّثة، لا يمكن لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تفعل الأمر نفسه إلا في حال غيّرت من هيكليّة اقتصادها. فإنّ اعتماد الدول المسؤولة في نموّها الاقتصادي على الثروة النفطية، يعني حكماً أن الاستمرار في النموّ لا يمكن أن يحدث من دون زيادة في الانبعاثات. ومن ناحية أخرى تزداد نسب التلوّث في البحار، بسبب سوء إدارة النفايات الصلبة، بالأخص البلاستيكية منها، وأيضاً بسبب القصور في عمليات إعادة التدوير.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

بحسب أرقام البنك، تحتل مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المركز الثاني من ناحية تلوّث الهواء، وتأتي بعد منطقة جنوب آسيا. فبالمقارنة مع نسب التلوّث المقبولة، أو التي تعتبر آمنة طبياً، يتنفّس المواطن في هذه المنطقة هواءً ملوّثاً بما يزيد عن خمسة أضعاف هذه المعايير. بينما يعد التلوّث البلاستيكي البحري من أكبر مشكلات التلوّث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فمن جهة حجم مخلّفات البلاستيك، تتقدم منطقتا شرق وجنوب آسيا على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن هذه الأخيرة تحتلّ المركز الأوّل لجهة نصيب كل فرد من المخلّفات البلاستيكية في السنة، إذ يتجاوز نصيب الفرد 6 كيلوغرامات من المخلّفات في البحر سنوياً، علماً بأنّ البحر الأبيض المتوسط هو من أكثر البحار تلوّثاً بالبلاستيك في العالم.
تُعد انعكاسات هذه النسب الكبيرة من التلوّث الهوائي والبحري على الصحّة، من أكثر النتائج المقلقة. فبحسب أرقام البنك، يُكلّف التلوّث الهوائي، كل مواطن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما لا يقلّ عن 60 يوماً مرضياً على مدى حياته. كما يُقدّر البنك أنّ هذا التلوّث تسبّب بأكثر من 270 ألف حالة وفاة مبكرة في عام 2019 فقط، وهو رقم قابل للتصاعد مع تزايد نسب التلوّث في المنطقة المذكورة. هذه الانعكاسات الصحيّة يبدو أنّ أثرها غير محصور بالإحصاءات الصحية، بل لها أيضاً أثر في الجانب الاقتصادي، مثل ارتفاع الفاتورة الاستشفائية في بلدان هذه المنطقة. تُشير تقديرات البنك إلى أنّ التدهور البيئي للسماء والبحار يكلّف اقتصادات المنطقة أكثر من %3 من إجمالي الناتج المحلي سنوياً. ويعود هذا الأمر إلى انخفاض الإنتاجية، لأنّ التعرّض للمرض بسبب التلوّث يخفّض إنتاجيّة العمّال. ومن ناحية أخرى يجعل التلوّث الهوائي المنطقة أقل جاذبيّة للاستثمارات الخارجيّة، كما أنّ تلوّث البحار يؤثّر على بعض القطاعات السياحيّة، التي تعتمد عليها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويضرب التلوث أيضاً الصيد البحري، الذي يشكّل دخلاً مهماً لأجزاء كبيرة من سكّان المناطق الساحليّة.