في النقاش الدّائر اليوم بين اللجنة الوزارية المكلّفة تحديث أرقام خطّة التعافي وإجراء تعديلات على مساراتها المالية والنقدية والاقتصادية، وبين الاستشاري المالي «لازار»، وبين مستشاري رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وسائر المعنيّين، ثمة نقطة عالقة عند الجميع تتعلّق باحتساب الناتج المحلّي الإجمالي. أهمية احتساب الناتج ضرورية للخطّة لأنها تحدّد نسب الاقتطاع التي يجب فرضها على الدين العام حتى يكون مستداماً وفق معايير صندوق النقد الدولي. وبالتالي يتم تحديد حجم الخسائر في القطاع المصرفي وفي مصرف لبنان، ولها علاقة مباشرة مع سعر الصرف الفعلي. المشكلة أن صندوق النقد الدولي لم يُصدر أي تقديرات لحجم الناتج عن عام 2021، بينما أصدر تقديرات غير نهائية عن حجمه لعام 2020 بقيمة 19.1 مليار دولار، فيما البنك الدولي قدّر في تقريره الأخير حول لبنان أن الناتج سيبلغ في نهاية السنة الجارية نحو 20.5 مليار دولار. اعتماد هذا الرقم يعني أن استدامة الدين العام تتطلب اقتطاعاً بنسبة 70% من سندات اليوروبوندز، أي خسارة إجمالية لحاملي السندات بقيمة تصل إلى 25 مليار دولار.
المصدر: البنك الدولي، وزارة المالية، مصرف لبنان، الأخبار | تصميم: رامي عليّان | أنقر على الصورة لتكبيرها

وفق معايير الصندوق لإقراض الدول يُفترض أن يكون الدين العام مستداماً. الاستدامة تعني إعداد خطّة تتضمن مجموعة من المؤشرات المالية والنقدية والاقتصادية التي تُتيح للبلد المقترض أن يخفّض نسبة دينه إلى 100% أو أقلّ، من الناتج المحلي الإجمالي ضمن فترة متوسطة وطويلة المدى. فإذا احتُسب الدين العام على أساس تقديرات البنك الدولي لعام 2021، يصبح حجم الاقتطاع من سندات اليوروبوندز، أكبر فيما تزداد قيمة الخسائر التي سيتكبّدها النظام المصرفي من أجل تسوية الدين العام بالعملات الأجنبية وحدها، أي من دون احتساب الخسائر اللاحقة به من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، ومن دون احتساب توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملة الأجنبية وبالليرة أيضاً. علماً بأن تحديد الناتج سيرسم صورة واضحة عن حجم الاقتصاد الذي يفترض أن تخدمه المصارف وحجمها مستقبلاً.
بالاستناد إلى هذه التطورات يمكن التوصل إلى سيناريوهين مبنيان على احتساب الناتج بقيمة 20.5 مليار دولار تبعاً لمعايير صندوق النقد الدولي لإقراض الدول:
- خفض الدين العام إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي، من دون أي اعتبار لأي زيادة في الدين قد تترتب على الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي ومن أي جهات دولية مقرضة غيرهما. فعلى افتراض أن الدين العام بالليرة البالغ 91169 مليار ليرة سيُحتسب على أساس سعر صرف السوق الحرّة البالغة حالياً 20400 ليرة مقابل كل دولار وبالتالي سيبلغ 4.44 مليار دولار ومن دون اقتطاع على هذه السندات، فإن الدين العام بالعملة الأجنبية يصبح على النحو الآتي: 37 مليار دولار بالعملة الأجنبية هي عبارة عن سندات يوروبوندز ومتأخرات عليها تشمل أصل وفوائد ودين سابق لدول ومنظمات دولية بقيمة 2 مليار دولار.
فإذا افترضنا أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 20.5 مليار دولار، وأن الاستدامة تقتضي خفض الدين إلى 100% من الناتج بمعزل عن التطورات اللاحقة بباقي المؤشرات، فإن نسبة الاقتطاع على سندات اليوروبوندز ستصبح 60% لخفض قيمة المحفظة الإجمالية بقيمة 21 مليار دولار.
- خفض الدين العام إلى 100% من الناتج المحلي مع افتراض استدانة إضافية من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار. يفترض أيضاً هذا السيناريو أيضاً تقييم الدين العام بالليرة على أساس سعر صرف السوق الحرّة وعدم شمول سندات الليرة بأي اقتطاع أو «هيركات». وبما أن الدين ازداد، بينما الناتج ما زال على حجمه المفترض وفق البنك الدولي، فإن نسبة الاقتطاع على سندات اليوروبوندز ستبلغ 71% من قيمة المحفظة أو ما يعادل 25 مليار دولار.
حالياً، تحمل المصارف نحو 8 مليارات دولار من سندات اليوروبوندز، ويفرض عليها مصرف لبنان أن تخضع محفظتها من هذه السندات لخسائر متوقعة بنسبة 45%، أي ما يوازي 3.6 مليارات دولار، لكن إذا ارتفعت هذه النسبة إلى 71% فإن قيمة الخسائر تصبح 5.7 مليار دولار. وإذا طبّق المعيار المحاسبي الدولي IFRS9 مباشرة، أي احتساب كل الخسائر المتوقعة كخسائر محقّقة، فإن 5.7 مليارات دولار ستطير مباشرة من رساميل المصارف البالغة حالياً 17 مليار دولار، بسبب سندات اليوروبوندز. علماً بأن هذه المحفظة لا تمثّل سوى أهمية ثانوية في أزمة خسائر المصارف التي توظّف لدى مصرف لبنان نحو 81 مليار دولار بالعملات الأجنبية. علماً بأنه ليس ثمة ما يوجب معاملة هذه الأموال بالعملة الأجنبية بشكل مغاير جداً عن سندات اليوروبوندز.
وفيما لا يجب إغفال أن القسم الباقي من سندات اليوروبوندز هو بيد دائنين أجانب سيتحركوا وفق مقتضيات بحثهم عن الربحية، إلا أنه لا يجب أيضاً إغفال أن للمصارف توظيفات في السوق المحلية (تسليفات) بالعملة الأجنبية تبلغ 15.3 مليار دولار بنسبة خسائر متوقعة تتجاوز 40%، أي أن خسائرها وفقاً لتطبيق المعيار المحاسبي الدولي المذكور، تبلغ 6.14 مليار دولار، وبالتالي ستنخفض قيمة رساميلها مباشرة إلى 5.2. مليار دولار بعد شطب اليوروبوندز والخسائر التجارية، وستبقى مكشوفة على خسائر هائلة مع مصرف لبنان الذي لا يملك من أصل 81 مليار دولار سوى 13 مليار دولار.