قدّم الوزير بطيش في مداخلته لمحة تاريخية عن القطاع المصرفي في لبنان، والذي شهد في أوائل التسعينات عملية تهجير واسعة للمصارف الأجنبية في لبنان نتيجة نموذج العمل المصرفي غير المعهود المنتهج في حينه. ومن أبرز ملامح نموذج الأعمال المستخدم في القطاع المصرفي خلال الثلاثين عاماً الماضية ما يأتي:
1. إحكام السيطرة على كامل القطاع المصرفي في لبنان من قبل مصارف تجارية لبنانية محددة، تحوّلت فيما بعد إلى مجموعة أولغارشية متحكمّة بالقطاع ككل، وتحاول قدر الإمكان الإستفادة من هذه السيطرة لفرض إملاءاتها على سياسات الحكومة المالية بما فيها الفوائد على سندات الخزينة والدين.
(هيثم الموسوي)

2. إجبار وترغيب المصارف على تكوين إحتياطي إلزامي للودائع بالعملات لدى مصرف لبنان منذ أواخر التسعينات، عقب إجراء تعديل على قانون النقد والتسليف وإدخالها تحت عنوان «توظيفات إلزامية»، والتي يُعطي المصرف المركزي فوائد عليها للمصارف وهي اليوم تساوي 14 مليار دولار ويعبّر عنها بإحتياطي مصرف لبنان.
3. عِوض تَطوير المأسَسة في المَصارف، حوّلوها عَمليّاً إلى نَوع مِن شَركات أشخاص مَع إبقائِها ظاهِريّاً شَركات مُساهمة، لأنَّ القانون يفرض عليهم ذلك. فقد تحايلوا على القانون بَدَل تطويره لمواكبة الحداثة ومتطلِّبات الصناعة المصرفيّة.
4. لَمْ يَفرِض القانون ولا مَصرف لبنان، إدخال الجُزء الأكبر مِن أسهُم كُلّ مصرف إلى البورصة.
انفلاش القِطاع المصرفي يعود إلى انتفاخ مصطنع ناجم عن استدانة الدولة بفوائد مرتفعة وهي ذاتها كانت من أسباب الإنهيار الرئيسية


5. لَمْ يسمح المصرفيّون اللبنانيّون بإدخال مستثمرين كبار للمساهمة في رساميل مصارفهم، ولَمْ يفرض مصرف لبنان عليهم ذلك، مِمّا حال من دون تعزيز الشفافيّة والإفصاح عَن حقيقة ملاءَة المصارف وسيولَتها بالعُملات الأجنبيّة. وكان إحجامهم عن ذلك إمّا سبباً أو نتيجة لسوءِ الإدارة، سواء في المَصارف أو لدى الهيئات الرقابية المولجة بالإشراف والرقابة عليهم (مَصرف لبنان، لجنة الرقابة على المصارف، هيئة التحقيق الخاصّة). وبالإضافة إلى ذلك، فإن من طرح منهم أسهماً في السوق المالية إنما باعوها بسعر مرتفع وعمدوا فور إنجاز العمليّة إلى خفض السِعر ما ألحَق أضراراً بالغة بالمستثمرين وأضعف ثقتهم بالاستثمار في قطاعات حيوية في لبنان.
6. عَمَدَ العديد من المصارف بتَواطؤ مع القيّمين على القطاع، إشرافاً ورقابة، إلى غشّ الناس بالأسهم التفضيليّة، ومن يدّعي اليوم أنَّه حامٍ للقِطاع هو أكثر مَنْ ساهم بتدميره.
7. لَمْ يُطَوّروا القدرات (الموارد) البشريّة بما يواكب متطلِّبات العمل المَصرِفي، بَل طوَّروا المَباني وحدّثوا المكاتب وبذَخوا في السيّارات والسيجار و…
8. عَمد كبار مُساهِمي نخبة من المصارف إلى فَتح مصارف تابِعة لهم في الخارج، وفروع، وتبَجَّحوا بأنَّهُم يُصَدِّرون كفاءتهم ومعرفتهم إلى الخارج، لا سيّما أنَّ حجم القِطاع قارَب عام 2018 الـ4 مرّات حجم الناتج المحَلّي.
لقد أصبَح القِطاع المَصرِفي اللبناني مِن وجهة نظرِ غالبيّة المصرَفيّين Over dimensioned أي «منتفخ»، مُتناسين بأن انفلاش حجم القِطاع مردّه بشكلٍ خاص إلى انتفاخ مصطنع ناجم عن استدانة الدولة بفوائد مرتفعة، والتي هي ذاتها كانت من أسباب الانهيار الرئيسية.
في الواقع، إن القيمة المُضافة لشبكة المصارف اللبنانيّة في الخارج لم تكن سوى الدعاية الفارغة والاستِعلاء التافه وتراكُم خسارات بمليارات الدولارات جرى تغطيتها من خلال الهَندَسات أو الخُزَعبلات الماليّة التي قام بها مَصرف لبنان من مال اللبنانيّين.
ويبقى السؤال، مِنْ أيّ أموال اشتَرت المصارف أو أسَّست فروعاً لها أو شركات تابعة لها في الخارِج؟

* وزير سابق ومصرفي