في نهاية حزيران 2021 يتوقع نفاد آخر ليرة في احتياط الموازنة. السبب يكمن في ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار. فهناك الكثير من أبواب الإنفاق لدى القطاع العام التي يتحدّد سعرها بالدولار. أسعار بعض السلع والخدمات تضخّمت إلى درجة أن الاعتمادات التي كانت ملحوظة في قانون موازنة 2020، والتي ما زلنا ننفق على أساسها بسبب عدم إقرار موازنة 2021، لم تعد تكفي أكثر من بضعة أشهر. أصلاً، حتى لو أُقرّ مشروع موازنة 2021، فإن اعتماداته هي الأخرى لن تكون كافية لتغطية حاجات الدولة. فمشروع الموازنة الذي أعدّه وزير المال غازي وزني، لم يأخذ في الاعتبار، حصول انهيار في سعر الليرة وتدهور قيمتها بأكثر من 80%، بل اعتمد سعر الصرف على أساس 1507٫5 ليرات وسطي، كأنّ شيئاً لم يحصل.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

بهذا المعنى، يمكن فهم سلوك قوى السلطة؛ الانهيار لم يحصل. وهذا لا يستدعي أي تعديل في التزامهم بمهل إعداد الموازنة ومناقشتها وصولاً إلى إقرارها في مجلس النواب، ولا يستدعي أيضاً تعديل النفقات، ولو اسمياً، ضمن نطاق تسعير جديد لليرة، أو ربطاً بسيناريوهات تأخذ في الاعتبار نسبة من النفقات على أساس سعر الصرف في السوق الحرّة.
ويتعزّز هذا السلوك، مع قيام الوزير غازي وزني، بالطلب من رئيس الحكومة المستقيلة، توقيع مشروع يرمي إلى تغذية احتياط موازنة 2020 (وهي آخر موازنة أُقرّت ويستند إلى أرقامها للإنفاق على القاعدة الاثني عشرية، علماً بأن هناك آراء تقول إن الإنفاق على هذه القاعدة لا يصلح لأكثر من شهر بينما السلطة استعملته لسنوات وها هي تكرّر المسألة نفسها في عام 2021) بقيمة 1200 مليار ليرة إضافية. أي أن وزني يعتقد أن هذه الزيادة المطلوبة في الاحتياط يمكنها أن تغطّي الفرق في أسعار السلع التي تضخّمت بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وفي المقابل أيضاً، يتمهّل رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب في توقيع المشروع ليس بهدف مناقشة الحاجات الفعلية للخزينة، بل لأنه يصرّ على التعاطي مع هذه المسائل من زوايا سياسية، أي أنه يسعى للانضمام إلى النادي السياسي التقليدي بعدما كان من رواد التيار المعاكس الذي أعلن توقف الدولة عن سداد فوائد وأصول استحقاقات سندات اليوروبوندز.
إذاً، ما هي دواعي وضرورات هذه الاعتمادات الإضافية؟
إن احتياط موازنة 2020 الذي يتم الإنفاق على أساسه في عام 2021، يبلغ 317 مليار ليرة فقط، بينما هناك الكثير من البنود في الموازنة، مثل اللوازم الإدارية والمكتبية والقرطاسية، والمحروقات، وقطع غيار وسائل النقل، والأدوية، والمبيدات، والتجهيزات المرتبطة بالكهرباء والمياه، ونفقات الاستشفاء والمرض والأمومة… غالبية هذه البنود تُعدّ ضرورية، لكن حجم المبالغ التي يفترض إنفاقها على هذه البنود كبير جداً، ما يعني أن مبلغ الـ1200 مليار ليرة لن يسدّ إلا القليل القليل. فعلى سبيل المثال، كانت نفقات الاستشفاء تبلغ 450 مليار ليرة أو ما يوازي 300 مليون دولار، وفوقها تدفع الدولة 25% من نفقات المرض والأمومة المقدرة بما لا يقل عن 170 مليون دولار، بالإضافة إلى نفقات معالجة في المستشفيات بقيمة 355 مليار ليرة أو ما يوازي 235 مليون دولار، ونفقات معالجة في المراكز الطبية بقيمة 22.7 مليار ليرة أو ما يوازي 15 مليون دولار… هذه الكلفة للرعاية الطبية الظاهرة صراحة في الموازنة، أي غير تلك المختبئة في موازنات وصناديق أخرى، كانت تبلغ 750 مليون دولار، إلا أنه مع ارتفاع سعر الصرف إلى 17500 ليرة باتت كلفتها الفعلية تساوي 12600 مليار ليرة، اي أكثر بعشر مرات من الاحتياط الذي تطلبه وزارة المال.
تضخّم الأسعار وتدهور سعر الليرة سيكون لهما أثر بالغ على الموازنة العامة، لكن قوى السلطة قرّرت تجاهل هذا الأمر، تماماً كما تجاهلت تداعياتهما على عموم الناس من خلال تأخير إقرار البطاقة التمويلية وتقزيمها. قرار زيادة النفقات بقيمة 1200 مليار ليرة فقط، يعكس تمسّك هذه القوى بالفوضى والعنف «الموضعي» لإدارة التفليسة. هذا الجزء من الإدارة يتم بهدوء ومن دون تعكير، أما الباقي فإدارته متروكة لرمز السلطة المالي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لطباعة النقود والنفخ في الأسعار أكثر وأكثر.