بدأت تظهر نتائج الأزمة على الميزان التجاري. في السنة الماضية، وبحسب إحصاءات الجمارك اللبنانية، انخفض العجز التجاري بنسبة 37% ليبلغ 9780 مليون دولار مقارنة مع 15508 ملايين دولار في 2019. وقد نجم ذلك عن تراجع في الاستيراد بنسبة 25.9%، وارتفاع في التصدير بنسبة 19.4%، لكن اللافت أن حصّة السلع المدعومة من مجمل الواردات تبلغ 46.9%، وبالتالي فإن باقي السلع لم تنخفض بأكثر من 27.8% في عزّ الانهيار المصرفي والنقدي والاقتصادي.

وتشير الإحصاءات إلى أن واردات لبنان بلغت 14240 مليون دولار في نهاية 2020 مقارنة مع 19239 مليوناً في 2019، في مقابل صادرات بقيمة 4458 مليون دولار في 2020 وبقيمة 3731 مليوناً في 2019.
التراجع الذي طرأ على الاستيراد بدأ يظهر اعتباراً من الشهر الثالث من السنة الماضية، واستمر بوتيرة متراجعة إلى أكثر من النصف حتى شهر تشرين الثاني الذي كاد أن يبلغ مستوى الاستيراد المسجّل في الأشهر نفسها من 2019. وهذا الأمر مرتبط إلى حدّ ما بالانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب. فقد تلت الانفجار موجة هائلة من ضخّ الأموال إلى المقيمين في بيروت سواء من المتضررين مباشرة أو الذين تضرروا جزئياً. مصدر هذه الأموال كان من الدول والمنظمات الدولية مباشرة أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، وبعضها لا يزال قائماً إلى اليوم. هذه الأموال حفّزت حركة الاستهلاك والاستيراد قليلاً من أجل تغطية بعض الأضرار أو لمساعدة السكان على الصمود.

يمثّل عجز الميزان التجاري الجزء الأهم من عجز ميزان المدفوعات. لذا، فإن تراجع عجز الميزان التجاري ضروري ومهم باعتباره يفسّر جانباً أساسياً في ميزان المدفوعات يتعلق بخروج العملات الأجنبية من لبنان. التراجع في العجز التجاري بنسبة 37% لا يمكن التعويل عليه كثيراً. صحيح أن العجز تقلص بقيمة 5728 مليون دولار، إلا أن حجم العجز ما زال كبيراً ويبلغ 9780 مليون دولار. العجز يمثّل حاجة لبنان إلى حجم كبير من الدولارات يوازي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي المقدر من صندوق النقد الدولي بنحو 18.6 مليار دولار.
اللافت أن كمية السلع المدعومة المستوردة إلى لبنان في 2020 تبلغ 6680 مليون دولار (مدعومة بنسبة 90% للبنزين والدواء والقمح والمستلزمات الطبية والغاز والمازوت والفيول، أي باستثناء 960 مليون دولار مواد غذائية مدعومة بنسبة 100% على أساس 3900 ليرة لكل دولار، وتموّل من احتياطات مصرف لبنان بما قيمته 5148 مليون دولار)، أي ما يوازي 68.3% من العجز التجاري، ونحو 46.9% من مجمل الواردات.
بعد استثناء الكميات المدعومة من فاتورة الاستيراد، يتبيّن أن الاستيراد تراجع في عام 2020 بنسبة لا تزيد عن 28.8%


وبالتالي فإنه بعد استثناء الكميات المدعومة من فاتورة الاستيراد، يتبيّن أن الاستيراد تراجع في عام 2020 بنسبة لا تزيد عن 28.7%. فبحسب أرقام الجمارك، إن لبنان استورد بقيمة 7.7 مليارات دولار من السلع غير المشمولة بدعم الاحتياطات بالعملات الأجنبية، وفي عام 2019 استورد من هذه السلع بقيمة 10.7 مليارات دولار، ما يعني أن التراجع قيمته 3 مليارات دولار فقط.
تراجع بهذا المستوى مستغرب جداً في ظل تطورات سعر صرف الليرة. سعر الليرة انخفض بنسبة 85%، بينما تضاعف سعر الدولار مقابل الليرة بنحو 8.6 مرات. كل هذه الخسائر لم تحتّم تراجعاً كبيراً في الاستيراد والاستهلاك. فمن مفاعيل الأزمات أنها تضرب القدرة الشرائية ما ينعكس سلباً على الاستهلاك، وبما أن الجزء الأكبر من استهلاكنا مستورد، فإنه ينعكس سلباً على الاستيراد.


المثير أن الأمر لا يبدو كذلك عند النظر إلى إحصاءات الاستيراد لعام 2020. هناك سلعة أو أكثر تراجع استيرادها من أبرزها استيراد السيارات الجديدة والمستعملة، وبعض السلع المعمّرة الأخرى، بينما لا يزال استيراد اللبنانيين من باقي السلع شبه مستقرّ. اللافت أيضاً أن السوق قادر على تمويل هذه الواردات. فالدولارات التي تدفقت إلى لبنان خلال الفترة الماضية، سواء من تحويلات المغتربين، أو باقي التحويلات الرأسمالية بما فيها الأموال التي دخلت إلى لبنان نقداً في جيوب الزوار - المغتربين، صبّت بشكل مباشر في أيدي الجهات التي استعملتها من أجل تمويل الحركة الاستهلاكية. لم يستفِد لبنان من هذه الأموال سوى في تحريك الاستهلاك وإسباغ نوع من الاستقرار على الاستيراد. هل سنرى المشهد نفسه يتكرّر في عام 2021؟



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام