في خضمّ الصراعات الجارية في العالم على المواد الأولية، التي تعدّ الحلقة الأولى في سلاسل الانتاج الصناعية، استحوذ الارتفاع الكبير الذي سجّلته أسعار الحديد الخام في الأشهر الأخيرة على اهتمام الدول المنتجة والمستوردة. أستراليا، أكبر منتج في العالم، والصين أكبر مستورد في العالم. هما اللاعبان الأساسيان في هذه السوق. المشكلة أن سعر الحديد الخام تشابك مع أزمة ديبلوماسية بينهما. ففي السنة الماضية، لمّحت تصريحات رسمية أسترالية إلى مسؤولية الصين عن انتشار فيروس «كورونا»، ثم كاد يتحوّل الأمر إلى حرب تجارية بينهما.أدّى تردّي العلاقات بين البلدين إلى زيادة الطلب على الحديد الخام بهدف التخزين، في مقابل مخاوف المستثمرين الصينيين من انخفاض العرض الذي قد ينتج عن تضييق ما تقوم به الدولة الصينية على واردات الحديد الخام من أستراليا. في الواقع، يمثّل استيراد حديد الخام الاسترالي أكثر من نصف استيراد الصين لهذا المعدن. وهو يمثّل حاجة أساسية للشركات الصينية من أجل إنتاج الحديد الصناعي. أما في أستراليا، فإن ارتفاع الاسعار مكسب لشركات التعدين الاسترالية، لكن في الوقت نفسه تبلغ حصّة الشركات الصينية أكثر من نصف صادرات الحديد الخام الاسترالية. فأستراليا هي أكبر منتج للحديد الخام في العالم بحصّة تقارب 38% من الإنتاج العالمي، ما يعني أن أي ارتفاع في الأسعار ينعكس زيادة في أرباح الشركات الأسترالية.

خلقت توقعات العرض والطلب، وسط أزمة ديبلوماسية بين البلدين، بيئة مناسبة لارتفاع الاسعار. بين مطلع السنة الجارية والنصف الثاني من أيار، ازدادت الأسعار بنسبة 29%. كان سعر الطن يبلغ 164 دولاراً في مطلع السنة، ثم ارتفع إلى 211 دولاراً. وخلال هذه الفترة، بلغ إنتاج الصين من الحديد الصناعي أعلى مستوياته. في نيسان أنتجت الصناعات الصينية 97.85 مليون طن بحسب مكتب الإحصاء المركزي في الصين. وهذا المستوى الانتاجي المرتفع نسبياً، يأتي رغم قرار الحكومة الصينية خفض الانتاج هذه السنة تماشياً مع خطّتها الخاصة بخفض التلوّث.
الصين حاولت السيطرة على ارتفاع الاسعار وتقلباته. يوم الاربعاء الماضي، ناقش مجلس الوزراء الصيني سياسات الصين الاقتصادية، ومن ضمنها استيعاب الزيادة السريعة في أسعار السلع الأساسية، وبينها سعر الحديد الخام. كذلك، أعربت الحكومة المحلية في تانغشان، وهي مركز صناعة الحديد في الصين، أنها ستنظر في السلوك غير القانوني الذي يشمل التلاعب بالسوق ونشر الشائعات والاحتكار، وستعاقب وتعلّق التعامل مع الشركات التي تثبت إدانتها بذلك. وفي السياق نفسه، قالت وكالة التخطيط الاقتصادي الحكومية الصينية إنها تتطلع إلى تنويع إمدادات الصين من خام الحديد، بينما أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في مؤتمرها الشهري «إن على الشركات الصينية تعزيز الاستكشاف المحلي للمواد الأولية لصناعة الحديد، وتوسيع مصادر وارداتها، واستكشاف موارد خام في الخارج».
بين مطلع السنة الجارية و20 أيار الحالي، سجّلت أسعار الحديد الخام ارتفاعاً بأكثر من 29% ليبلغ 211 دولاراً للطن الواحد


أدّت هذه الخطوات إلى انخفاض الاسعار لمدّة يومين بين 12 أيار و14 منه، إلا أنها عادت إلى مسار الارتفاع لاحقاً. وانعكس ارتفاع الأسعار على قطاع البناء في الصين. فقد خفّفت شركات الإنشاءات شراء الحديد المصنّع، ما أدّى إلى تعليق بعض المشاريع تجنباً لزيادة الأكلاف.
عوامل العرض والطلب الحالية تعمل حالياً لمصلحة شركات التعدين الاسترالية، وخصوصاً في ضوء تعطّل شحنات الخام من مصادر أخرى بسبب جائحة «كورونا». قد تتغيّر بسرعة هذه العوامل، إلا أنها في الاسابيع الماضية مثّلت فرصة لزيادة أرباح شركتي BHP وRio Tinto الاستراليتين. وبحسب ماثيو هودج، المحلل في شركة الخدمات المالية Morningstar، فإن BHP وRio Tinto تحقّقان عوائد تزيد على 100% على رأس مالهما المستثمر في خام الحديد في الوقت الحالي. أيضاً انعكس الأمر إيجاباً على أسعار أسهم هاتين الشركتين.


مستقبلاً، يبدو أن إنتاج الحديد الخام إلى ارتفاع، خلافاً للسنوات الخمس الأخيرة التي سجّلت تراجعاً في الانتاج بمعدل انكماش بلغ 2% سنوياً. ويتوقّع تقرير لشركة «فيتش» أن يرتفع الإنتاج العالمي لحديد الخام على مدى السنوات الخمس المقبلة، بمعدّل 2.4% سنوياً، ما يعني أن الإنتاج العالمي سيزيد بنحو 378 مليون طن في السنة بحلول عام 2025. هذا الارتفاع سيكون مدفوعاً بزيادة الإنتاج في البرازيل وفي أستراليا. وتشير التقديرات إلى أن الإنتاج البرازيلي للحديد الخام سيرتفع من نحو 400 مليون طن سنوياً في عام 2020 إلى نحو 529 مليون طن في عام 2025، أي بمعدل نموّ يبلغ 5.9% سنوياً. وأسترالياً، يتوقع أن يبلغ معدّل النمو السنوي 1.7%، ما سيرفع حجم الانتاج بنحو 84 مليون طن سنوياً.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام