تُعدّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت في 6 أيار، فرصةً لتشديد اللهجة في وجه الأوليغارشية السياسية والاقتصادية التي اختارت الانحلال رغم الأزمات المتعددة التي عصفت بالبلاد.على المستوى السياسي، الاقتصادي، المالي والإنساني أيضاً، هذه الأزمة التي تضرب لبنان تعتبر الأخطر منذ الحرب الأهلية في أعوام 1975-1990. هذه المرة، ليست القنابل مصدر العنف، بل الوضع المعيشي لستة ملايين نسمة في ما كان يسمى قديماً «سويسرا الشرق الأوسط».
بعد 18 شهراً من بدء ثورة شعبية طويلة وعقيمة ضدّ مصادرة كارتلات الأحزاب الطائفية السلطة، وبعد 9 أشهر على الانفجار المأساوي في مرفأ بيروت، لم يعد بلد الأرز سوى ظلّ لما كان عليه. أكثر من نصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر، والبلد الذي كان مصنفاً لفترة طويلة ضمن قائمة الدول المتوسطة الدخل، انضمّ إلى فئة البلدان الفقيرة.
هذه الكارثة غير طبيعية على الإطلاق، إنها نتيجة نظام سياسي يُحتضر لم يعد قائماً على التمثيل العادل للطوائف، بل على هوس مبتذل بتقاسم الكعكة. اجتاحت الزبائنية الدولة، وشلّت جميع مرافق الدولة. وسعد الحريري المكبّل بحسابات لا قيمة لها والمعيّن رئيساً للوزراء في تشرين الأول 2020، لم يستطع تشكيل حكومة بعد.
يجب نشر لائحة بأسماء الشخصيات التي تطاولها العقوبات في فرنسا


من الواضح أن الأوليغارشية السياسية والاقتصادية تختار الانحلال، وتراهن على إرهاق الصديق التاريخي، فرنسا. في آب، وبعد الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت، حاول إيمانويل ماكرون تحريك جمود النظام مانحاً أقطابه أسبوعين لتشكيل حكومة اختصاصيين وعازماً على الإصلاح. إلّا أنّ عمله التطوعي هذا اصطدم بنظام لم تعد المصلحة العامة ضمن حساباته. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد أعلن الخميس 29 نيسان، فرض عقوبات على شخصيات لبنانية «متورّطة في المراوحة السياسية أو في الفساد»، والتي ستتخذ شكل فرض قيود على دخولها الأراضي الفرنسية.

إنّها البداية
أيّ توضيح لجهة القيود أو عدد الأشخاص المستهدفين وهوياتهم لم يصدر بعد، ما يحدّ بشكل كبير من نطاقها الرادع، كما هو الحال بالنسبة إلى الجنسية الفرنسية التي يحملها بعض القادة اللبنانيين. علاوة على ذلك، إن الحصار الذي تفرضه المجر عبر فيكتور أوربان ضد العقوبات المفروضة على صعيد الاتحاد الأوروبي قد يجعل من الممكن تجاوز عقوبات باريس ودخول فرنسا عبر دولة أخرى في منطقة شنغن.
إذا كان إيمانويل ماكرون يريد أن يبقى مخلصاً لوعود التضامن الرسمية التي قطعها للبنانيين، فعليه أن يغير مساره. هذا يتطلب نشر قائمة بأسماء الشخصيات التي تطاولها العقوبات وتجميد الأصول المشكوك في ملكيتها في فرنسا. إن الطلبات المقدّمة من مكتب المدعي المالي الوطني بفتح تحقيق قضائي في باريس بعد شكاوى من منظمتين غير حكوميتين بشأن «مكاسب غير مشروعة» بحق رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، ستشكّل بادرة أخرى.
يجب أن تكون زيارة السيد لودريان لبيروت يوم الخميس 6 أيار فرصة لإعادة صياغة خارطة طريق الإليزيه. دعونا نتوقف عن تصوّر أن الأطراف اللبنانية ستوافق ذات يوم على قطع الغصن الذي تجلس عليه، يجب على المجتمع الدولي أن يدفع باتجاه تشكيل حكومة ذات صلاحيات تشريعية استثنائية، على غرار ما شهدته البلاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وحدها هذه السلطة التنفيذية تتمتع بالاستقلالية الكافية لتمرير الإصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان.

* افتتاحية صحيفة «لو موند» بتاريخ 4 أيار (أي قبل زيارة لو دريان للبنان بيومين)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام