اللغز الذي طرحه وزير المال الفرنسي السابق (الرئيس في النهاية) فاليري جيسكار ديستان في الستينيات على وشك الحل. تحسّر جيسكار على استفادة الولايات المتحدة من موقعها باعتبارها العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم وأخذت من باقي العالم، بكل حرية، دعم مستوى معيشتها المبالغ فيه. هذا الامتياز الفائق على وشك الانحسار. فمن المحتمل أن ينهار الدولار وينخفض بنسبة ​​تصل إلى %35 في نهاية عام 2021. السبب: تفاعل قاتل بين انهيار المدخرات المحليّة، وعجز كبير في الحساب الجاري. ففي الربع الثاني من عام 2020، عاد صافي المدخرات المحلية - الادخار المعدّل حسب استهلاك الأُسر والشركات والقطاع الحكومي - إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية. وبلغ صافي المدخرات المحلية مستوى 1.2%- في الربع الثاني، ما يعني أن حصّته من الدخل القومي صارت أقلّ مما كانت عليه في الربع الأول بنحو 4.1 نقاط مئوية، وهذا أكبر انخفاض ربع سنوي في السجلات التي تعود إلى عام 1947. ومن غير المستغرَب أن يسير عجز الحساب الجاري على المسار نفسه. فبسبب الافتقار إلى الادخار والرغبة في النمو، استفادت الولايات المتحدة من الامتياز الفائق الذي يحوزه الدولار لاقتراض فائض الادخار من الخارج، ما دفع عجز الحساب الجاري نحو 3.5-% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، أي 1.4-% أقل من الفترة الأولى وأيضاً أكبر تآكل ربع سنوي على الإطلاق.وفي حين أن الانفجار في عجز الحكومة الفدرالية والمرتبط بـCovid هو المصدر المباشر للمشكلة، إلّا أن ذلك كان أمراً متوقعاً. فعند بدء الجائحة، لم يكن معدل صافي الادخار المحلي في الفترة ما بين 2011 و2019 أكثر من %2.9 من الدخل القومي الإجمالي، أي أقل من نصف المتوسط ​​البالغ %7 من 1960 إلى 2005. هذه الوسادة الرقيقة تركت الولايات المتحدة عرضة لأيّ صدمة، فضلاً عن الجائحة. ومع تراكم عجز الموازنة في السنوات المقبلة، ستزداد الضغوط التراجعية على الادخار المحلّي والحساب الجاري. وبحسب أحدث تقديرات صادرة عن مكتب الميزانية في الكونغرس، فإن العجز الفيدرالي سيبلغ %16 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 ثم يتراجع إلى %8.6 «فقط» في عام 2021. وذلك على افتراض أن الكونغرس الأميركي وافق في النهاية على جولة أخرى من الإعفاء المالي، وهو مبلغ أكبر بكثير من العجز المرجح لعام 2021.
سيؤدّي هذا الأمر إلى نقل صافي معدل الادخار الأميركي إلى المنطقة السلبية بشكل أعمق بكثير مما كان عليه خلال الأزمة العالمية. وأثر ذلك ينذر بالسوء على مستقبل أميركا. بعد استبعاد الاستهلاك المطلوب للمخزون الرأسمالي المتقادم للمباني والبنية التحتية، تقوم الولايات المتحدة، في الواقع، بتصفية صافي المدخرات المطلوبة لتوسيع القدرة الإنتاجية. من دون اقتراض فائض الادخار من الخارج، يصبح النمو مستحيلاً. وبنتيجة ذلك، سيزداد عجز الحساب الجاري عمقاً. كل ذلك عندما يفقد الدولار امتيازه الخاص. ومع تآكل مكانة أميركا باعتبارها العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم ببطء منذ عام 2000، من المرجّح أن يطلب المقرضون الأجانب تنازلات بشأن شروط مثل هذا التمويل الخارجي الضخم.
يأخذ هذا الأمر، عادة، شكلَين - سعر الفائدة و/أو تعديل العملة. لقد تحوّل الاحتياطي الفيدرالي أخيراً إلى استراتيجية تأخذ في الاعتبار متوسط ​​التضخم بدلاً من هدف محدد، ووعد بالحفاظ على أسعار الفائدة بالقرب من الصفر لعدة سنوات أخرى. هذا يعني أن قناة سعر الفائدة قد أُغلقت فعلياً. في النتيجة، سيُفرض الآن المزيد من تعديلات الحساب الجاري من خلال ضعف الدولار.
في الربع الثاني من عام 2020 عاد صافي المدّخرات المحلية - الادخار المعدّل حسب استهلاك الأسر والشركات والقطاع الحكومي - إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية


إن القيمة العالية للدولار الأميركي تجعله عرضة للخطر بشكل خاص. رغم الانخفاضات الأخيرة، لا يزال المؤشر العام لسعر الصرف الفعلي الحقيقي للدولار أعلى بنحو 27% من أدنى مستوى له في تموز 2011. وهذا يجعل العملة الأميركية العملة الرئيسية الأكثر قيمة في العالم، تماماً كما انجرفت الولايات المتحدة إلى دوامة حساب التوفير الجاري غير المسبوقة. العملات هي أسعار نسبية. لقد استفاد الدولار دائماً من السحر المغري لـ TINA، أي عدم وجود بديل منه. فكّر مرّة أخرى. إن اتفاقية 21 تموز بشأن صندوق الاتحاد الأوروبي من الجيل التالي بقيمة 750 مليار يورو (858 مليار دولار) تكرّس سياسة مالية لعموم أوروبا. هذا ما يجب أن يعزّز اليورو المقوّم بأقل من قيمته الحقيقية. الرنمينبي والذهب والعملات المشفرة هي أيضاً بدائل من الدولار الذي كان لا يُقهر في يوم من الأيام. فقد انخفض مؤشّر الدولار بنسبة 33% بالقيمة الحقيقية في السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، و28% أخرى من عام 2002 إلى عام 2011. وخلال تلك الفترات الثلاث، بلغ متوسط ​​معدل الادخار المحلي 4.9% (مقابل -1.2% اليوم) وكان عجز الحساب الجاري -2.5% من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل -3.5% اليوم). مع قيام الولايات المتحدة بتبديد امتيازها الفائق، أصبح الدولار الآن أكثر عرضة لتصحيح حادّ. الانهيار يلوح في الأفق.

* مقال نشر في فاينانشيال تايمز في 5 تشرين الأول
** عضو هيئة التعليم في جامعة ييل والرئيس السابق لـ«مورغن ستانلي - آسيا» ومؤلف كتاب «غير متوازن»

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا