كثُرت في الآونة الأخيرة التحليلات بما يتعلق بالاقتصاد الوطني وأثر الأزمات المتلاحقة وآخرها انفجار مرفأ بيروت، على المؤشرات الماكرو - اقتصادية. إلّا أن قلّة من المحللين، تطرّقوا إلى أثر هذه الأزمات على وضعية الشركات في القطاع الخاص والتي أصبح عدد كبير منها مهدداً بفعل التراجع الاقتصادي وجائحة كورونا وارتفاع سعر الصرف وعدم توفر العملات الصعبة، وأزمة السيولة العامة، والأزمة المصرفية... هذه العوامل وضعت نسبة كبيرة من المؤسسات والشركات أمام واقع إقفال أبوابها وتسريح عمالها، وتعثّر سداد ديونها للموردين أو للمصارف... تؤثّر هذه الأزمات على سيولة وملاءة وربحية الشركات اللبنانية ما يثير شكوكاً كبيرة بقدرتها على الاستمرار في أعمالها.إزاء هذه المخاطر، تترتب نتائج مالية، وخصوصاً محاسبية، على بيانات الشركات والمؤسسات اللبنانية، ولا سيما أننا نقترب من نهاية العام أي الفترة التي يتوجب فيها على المؤسسات إصدار حساباتها وفقاً للمعايير المعتمدة، بما فيها المعايير الدولية.
لعلّ أخطر سؤال يجب على المدققين الخارجيين والمديرين التنفيذيين الماليين الإجابة عنه، هو قدرة كل شركة على متابعة نشاطها في المستقبل القريب وإمكانية استمرارها في خدمة الاقتصاد والزبائن. إن تقييم الاستمرارية موضوع حاسم لدى إقفال الحسابات في نهاية السنة المالية الجارية. قد يكون هناك أيضاً تأثير على الافتراضات التي وضعتها الإدارة في قياس الإيرادات والمصاريف في بيانات الشركة!
في الدول الأخرى، التي تعاني فقط من تداعيات أزمة كورونا، أعلنت العديد من الشركات توقفها عن العمل، أو حدّدت بوضوح في بياناتها أن استمراريتها مهددة. انطلاقاً من ذلك عمدت إلى إعادة هيكلة موجوداتها ومطلوباتها رغم أن العديد منها تلقّى مساعدات حكومية، لذا كيف هو الحال في لبنان حيث تعدّ أزمة «كورونا» واحدة فقط من مجموعة أزمات مالية وبنيوية متراكمة وحادّة.
يتم تقييم الاستمرارية في نهاية السنة عادةً، مع لحظ للتطورات حتى تاريخ إقفال الحسابات. في ختام عام 2019 مثلاً، تم اعتبار الكورونا حدثًا بعد الإغلاق وجب الافصاح عنه في عملية تقييم الاستمرارية.
يمكن النظر في ثلاث حالات لدى إقفال الحسابات:
• ضمان استمرارية النشاط على الرغم من الصعوبات،
• استمرارية غير مؤكدة، عندما تؤدّي الصعوبات إلى حالة تعليق المدفوعات.
• تعرض استمرارية النشاط للخطر بشكل دائم، حيث تزداد مخاطر تعليق المدفوعات خلال فترة لا تقل عن 12 شهراً، وهذه حال عدد كبير من الشركات اللبنانية.
هناك حالياً، العديد من الأمور الأساسية المجهولة، كمدّة الأزمة، وامتدادها، ونتائجها. فعلى سبيل المثال، عندما يكون استمرار النشاط متوقفاً على تجديد قرض ائتماني، فإن الأرباح المحققة في السابق وسهولة الاقتراض من المصارف في سياق «عادي» لا تكفي لاستنتاج ضمان استمرارية النشاط. لذا يجب في السياق الحالي على الشركات اللبنانية التي تستنتج أن الاستمرارية مضمونة عند تاريخ الإغلاق، رغم الصعوبات التي واجهتها منذ كانون الثاني 2020، أن تقدم شرحاً للأسباب التي أدت إلى هذا الاستنتاج.
في الدول التي تعاني من تداعيات أزمة كورونا، أعلنت العديد من الشركات توقفها عن العمل، أو حدّدت بوضوح أن استمراريتها مهددة


أما عند تعرض استمرارية النشاط للخطر بشكل دائم، فيجب لدى تاريخ الإغلاق تقييم الحسابات بقيم صافي الموجودات. في هذه الحالة، ينبغي إيلاء اهتمام خاص لمكاسب رأس المال المحتملة. كما يجب أن تشير البيانات المالية إلى أسباب التخلي عن مبدأ الاستمرارية وإلى طرق التقييم الجديدة وأثرها على الحسابات.
ونشير أيضاً إلى تأثير تقلبات سعر الصرف على نتائج الشركات التي تواجه حالياً صعوبات ناتجة عن التضخم المرتفع (لدى احتساب فرق الصرف، وتقييم المخزون...).
عند تاريخ الإغلاق، يجب تحويل البنود النقدية (مثل الذمم المدينة والدائنة التجارية) بالعملات الأجنبية باستخدام سعر الإغلاق، في حين يجب تحويل البنود غير النقدية (مثل الأصول الثابتة والمخزون) بالعملة الأجنبية باستخدام سعر الصرف عند تاريخ المعاملة (أي تاريخ الشراء). تؤدي هذه المعادلة إلى تغييرات في بنية البيانات المالية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا