توضيحاً لما يتداول عن مسألة شطب قسم من الدين السيادي أو ما يسمى "قص الشعر"، أودّ الإشارة إلى أنه بعد مرور ثلاثين سنة على بدء هذه العمليات، تبيّن أنها أمر روتيني تقوم به الدول، وإن كنت لا أؤيّد القيام بها في لبنان حالياً.من الواضح أن حجم الدين العام وكلفته هما إحدى المشاكل الأساسية التي يواجهها الاقتصاد اللبناني، لكن هناك حلول بديلة متنوّعة طرحها الخبراء لمعالجة هذه المشكلة، من بينها اقتراح تقدموا به لمعالجة انعدام استدامة كلفة الدين عبر خفض معدلات الفائدة إلى مستويات دنيا، بما يؤدي إلى انخفاض كلفة الاستدانة وتخفيف الأعباء الناتجة عن عمليات تمويل الاقتصاد.
رغم ذلك، يبدو المشهد العالمي مشحوناً بعمليات شطب الدين السيادي. على مدى ثلاثين سنة، أي بين عامي 1970 و2018 نُفِّذت نحو 200 عملية إعادة هيكلة للدين السيادي بشكل روتيني، وتضمنت شطباً للدين (قص الشعر)، وخصوصاً في الدول المتوسطة الدخل والمنخفضة الدخل. شملت هذه العمليات نحو ٧٥ بلداً، من بينها دول عديدة قامت بهذه العمليات أكثر من مرّة، مثل الأرجنتين والبرازيل ونيجيريا التي سجّلت أكثر من ستّ عمليات لكل واحدة منها.
بعد كل هذه الفترة، وصلنا إلى نتيجة محيّرة في الاقتصاد الدولي. خلافاً للنظرية الاقتصادية السائدة التي تشير إلى أن الدول المتخلّفة عن سداد الدين السيادي تستبعد من السوق المالية الدولية وتتعرض لعقوبة السمعة ولا يعود بإمكانها الاستدانة من الأسواق المالية، تظهر الأبحاث التطبيقية عدم صحّة هذا الأمر. فالدول التي تخلفت عن سداد الديون الخارجية تمكّنت من العودة إلى سوق الائتمان على المدى المتوسط أو القصير، حتى إن عدداً كبيراً من حالات التعثّر أفضت إلى عودة المتعثرين إلى سوق الائتمان بعدما تمكنوا من استقطاب رساميل جديدة، بعد عام واحد على انفجار أزمتهم.
حجم عملية إعادة الهيكلة ينعكس مباشرة على قدرة الوصول إلى الأسواق الدولية


المهم في هذا الأمر ليس العملية بحدّ ذاتها، بل مضمونها. فالدراسات تشير إلى أن حجم عملية إعادة الهيكلة ينعكس مباشرة على قدرة الوصول إلى الأسواق الدولية. فإذا كانت عملية إعادة الهيكلة صغيرة الحجم نسبياً، تتعامل معها الأسواق المالية بمرونة كبيرة، وتصبح عودة الدول المتعثرة إلى السوق متاحة بسعر فائدة مقبول لا يتماشى مع مسألة عقوبة السمعة. بمعنى آخر، كلما ارتفع حجم التخلّف عن السداد، ازدادت صعوبة الولوج إلى سوق الائتمان. فعلى سبيل المثال، إذا شطبت دولة ما 10% من قيمة رأس المال، يكون لديها فرصة أكبر في الولوج إلى الأسواق الدولية، وإذا شطبت 30% من رأس المال تصبح العودة أصعب وكلفتها أكبر، أي إن سعر فائدة الاستدانة يكون أعلى.
في المتوسط، إن نسبة شطب الدين السيادي في عمليات إعادة الهيكلة تبلغ 40%، أي إن الدائنين يفقدون 40 سنتاً مقابل كل دولار وظّفوه في الدين السيادي. لكن الملاحظ أنه مع مرور الوقت ارتفعت نسبة الشطب. في المتوسط كانت نسبة الشطب تبلغ 25% في الثمانينيات، ثم ارتفعت إلى 50% في التسعينيات، ومن بعد الأزمة المالية العالمية وصلنا إلى نسبة شطب تبلغ 55% في المتوسط.