يستعرض تيد سامرز، أحد المهندسين المديرين في شركة أوبر، الجهاز العصبي للتطبيق، والذي يتكوّن من منظومة مجسّات عن بعد مزروعة في الهواتف الذكيّة الخاصّة بالمستخدمين ومنظومة الخوارزميات التي تعمل على رصد وتتبع وتحليل حركة المستخدم وسلوكياته.كأي جهاز عصبي حيواني يقوم الجهاز العصبي لتطبيق أوبر، بداية، على جمع المعلومات الخارجية عبر مجموعة من المجسّات (المستشعرات) عن بعد، والتي يجري استخدام كل منها لغرض معيّن، وتشكّل ما يشبه نقاط الاتصال المباشر مع ما يحدث خارج شبكة الإنترنت. تقوم هذه المجسّات بضبط الأحداث وإرسالها كمعلومات إلى مركز اتخاذ القرار في آلية عمل تشبه إلى حدّ كبير طريقة عمل الحواس البشرية. ويشير سامرز في عرضه إلى الدور المحوري الذي تلعبه هذه المجسّات في الكشف عن السلوكيات غير المطواعة من قِبَل السائقين أو استعمالهم لبرمجيات تضليلية (أو برمجيات يمكن أن تحدّ من دفق المعلومات عبر الهاتف) ما يمكّن التطبيق من التدخّل الفوري ليساعد على فهم طريقة قيادة السائق ومكان وجوده، وبالتالي يمدّ الشبكة بالمعلومات المطلوبة لاتخاذ القرارات التنفيذية التي تضمن استمرار تلبية الطلب بغض النظر عن الظروف المرافقة.
بشكل أدقّ يقوم التطبيق بالسيطرة على مجسّ الأكسِليروميترز - accelerometers - الموجود في كل الهواتف الذكيّة وتستخدمه الشركة منذ العام 2016 لتتبع وضبط سلوكيات القيادة عند السائقين عبر قياس التغيّر المفاجئ في السرعة، ما يمكّنهم من معرفة حالات استعمال المكابح بشكل حادّ، بالإضافة إلى حالات تخطّي السرعة القصوى. تستدلّ الشركة عبر هذين المؤشّرين على مدى الأمان الذي تمثّله سلوكيات القيادة عند كل السائقين الناشطين على الشبكة. ولهذا الأمر يقوم التطبيق بضبط كلّي ومتواصل لمختلف النقاط الجغرافية - GPS - للهاتف، ويحتسب سرعة الانتقال من نقطة إلى أخرى.

أنجل بوليغان ــ المكسيك

وبناءً على هذه العملية يرسل التطبيق، لكل سائق، في نهاية كل يوم عمل تقريراً تقييمياً لطريقة القيادة في هذا اليوم ويمدّهم بالإرشادات اللازمة. كما يستخدم التطبيق مجسّ الجيروميترز - Gyrometers - الذي يقيس التغيّر في وضعية الهاتف، ما يضبط معلومات حول الأوقات التي يكون فيها الهاتف غير موضوع على المنصّة الخاصّة به أثناء القيادة، وهذا ما يستدل عبره التطبيق للتحقّق من احتمال قيام السائق باستعمال الهاتف أثناء القيادة (مكالمات أو إرسال رسائل)، فيقوم بتنبيه المخالفين وتأديبهم لاحقاً عبر إجراءات تنفيذية. كما يستخدم المجسّ نفسه لرصد حركة السائقين الناشطين على تطبيق أوبر الخاص بتوصيل المأكولات - UberEat - بين لحظة ركنهم للسيارة ووصولهم إلى المطعم لتسلّم الطلبية، وهذا ما يمكّن مهندسي أوبر من تحليل حركة هؤلاء المستخدمين والتنبّه إلى صعوبات إيجاد مواقف أو حتى الانتباه إذا ما كانوا يقضون فترة أكثر ممّا يجب في المطعم، ما قد يؤثّر على جودة خدمة التوصيل التي تشكّل السرعة أحد أبرز مقوّماتها. كما يستخدم التطبيق الكاميرا الأمامية للهاتف للقيام بالتأكّد من تحقّق فجائي لهوية السائق حيث يرسل إشعاراً يطلب فيه من السائق التوقّف إلى جانب الطريق خلال فترة تقلّ عن دقيقة وفتح الكاميرا الأمامية للهاتف لإرسال صورته الشخصية مباشرة والتي يصار إلى تحليلها عبر تقنيات التحقّق من الوجوه - face detection - وضمان هوية السائق.
هكذا تنتقل المعلومات المجمّعة من خلال مجسّات الهاتف والمُرسلة عبر شبكة الإنترنت إلى مركز اتخاذ القرار في أوبر، والمُتمثّل في منظومة الخوارزميات المُشغّلة للتطبيق، والتي تشبه، إلى حدّ كبير بوظائفها، الدماغ الحيواني. فالأخير يقوم بمهمّة استقبال المعلومات وتبويبها وتحليلها، واستعمالها لاتخاذ قرارات تنفيذية تؤثّر في مجمل حركة الجسد.
هكذا، وكما يتكوّن الدماغ من مجموعات من الخلايا العصبية، التي تختلف في طبيعة وظائفها وتتكامل في ما بينها، تتكوّن الكتلة العصبية للتطبيق من مجموعات من الخوارزميات، التي تختلف في طبيعة الأدوار التي تقوم بها، ويكمل بعضها بعضاً، لضمان اتخاذ القرارات الأفضل. بداية، هناك المجموعة التي تحلّل بيانات النقاط الجغرافية المُرسلة من مجسّات الهواتف، وقد نجحت أوبر في تطوير عمل هذه المجموعة إلى درجة تمكّنها من تحديد الموقع الجغرافي للسائق، واحتساب الوقت بين نقطة جغرافية وأخرى حتى الثانية الواحدة، وقياس مسافة التقدّم في خط السير حتى مسافة 16 متراً تقريباً، وذلك على الرغم من التحدّيات التي تفرضها طبيعة البيئة المعمارية المحيطة، والتي تلعب دور المرايا العاكسة لتردّدات الـGPS. تتكامل هذه المجموعة مع مكوّن عصبي آخر معني بالتأطير الجغرافي لكل المستخدمين لحدود المتر المربّع الواحد، وهو نظام مطوّر خصيصاً لتطبيق أوبر ومُعتمد على صعيد السوق العالمي. تُستخدم البيانات المعالجة في المجموعتين السابقتين لبناء ما يعرف بقاعدة بيانات مباشرة لكل سائق ناشط على الشبكة، تضمّ بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، الاتجاه والحالة (مع أو من دون ركّاب) ويجري تحديثها ثانية بثانية، وهذا ما يعطي أوبر إمكانية معرفة مواقع كل المستخدمين، ثانية بثانية، في الأمكنة المؤطرة جغرافياً، وبالتالي تسهّل عملية الربط ما بين الركّاب والسائقين بأقلّ وقت ممكن وبأعلى درجات الدقّة. وتستخدم قاعدة بيانات السيّارات في إمداد مجموعة الخوارزميات المُكلفة بمهمّة تحديد الأسعار في أماكن جغرافية محدّدة، وبالتالي إعادة توجيه السائقين نحو المناطق ذات الطلب المرتفع.
هكذا، وعبر جهاز عصبي كثيف التعقيد والتداخل، تحقّق أوبر ما يمكن وصفه بالضبط المُطلق لسلوكيات ملايين السائقين، وتحظى بفرصة اتخاذ قرارات مباشرة تتعلّق بمكان القيادة وزمانها، والأسعار وعادات القيادة على المستوى المحلّي في أكثر من 600 مدينة في العالم وبشكل أوتوماتيكي. إلّا أن جهاز أوبر العصبي يتكامل مع عنصر خارجي يلعب دوراً محورياً في تعميق فهم التطبيق للعلاقة ما بين السائق والركّاب داخل السيارة وأثناء تقديم الخدمة، وهذا ما يتحقّق عبر نظام تقييم السائقين المعروف بالخمس نجوم، والذي يتحكّم فيه الركّاب بشكل كلّي. وهذا ما سنقوم بالتعرّض إليه تفصيلياً في المقال الثالث من هذه السلسلة.

* باحث في علم اجتماع العمل والتكنولوجيا